تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَتِّ وَالْمَوْتِ بِتَرْكِ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ إلَّا بِعُذْرٍ وَالْحِنَّاءِ وَلُبْسِ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً بَالِغَةً) أَيْ: تُحِدُّ الْمُبَانَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِتَرْكِ مَا ذُكِرَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الطَّلَاقَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ وَالْفُرْقَةَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَبَّرَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهَا لِإِفَادَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ نَفْيِ الْحِلِّ فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحِلِّ وَلَا كَلَامَ فِيهِ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «إلَّا عَلَى زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا» فَصُرِّحَ بِالنَّهْيِ فِي تَفْصِيلِ مَعْنَى تَرْكِ الْإِحْدَادِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَهَلْ يُبَاحُ.

قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ لِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ أُمُّهَا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ أَبُو الْفَضْلِ عَنْ الْمَرْأَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا أَوْ أَبُوهَا أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَصْبُغُ ثَوْبَهَا أَسْوَدَ فَتَلْبَسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً تَأَسُّفًا عَلَى الْمَيِّتِ أَتُعْذَرُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ فَقَالَ لَا تُعْذَرُ وَهِيَ آثِمَةٌ إلَّا الزَّوْجَةَ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّهَا تُعْذَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اهـ.

وَظَاهِرُهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ السَّوَادِ تَأَسُّفًا عَلَى مَوْتِ زَوْجِهَا أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ وَقُيِّدَ بِالْبَتِّ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا لَا حِدَادَ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَحِدَّ عَلَى قَرَابَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا زَوْجٌ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا؛ لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهَذَا الْإِحْدَادُ مُبَاحٌ لَهَا لَا وَاجِبٌ وَبِهِ يَفُوتُ حَقُّهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُسْتَحَبُّ لَهَا تَرْكُهُ وَلَمَّا وَجَبَ فِي الْمَوْتِ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَقْطَعُ مِنْ الْإِبَانَةِ وَلِهَذَا تُغَسِّلُهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا وَأُطْلِقَ فِي تَرْكِ الطِّيبِ فَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ وَدَخَلَ فِي الزِّينَةِ الِامْتِشَاطُ بِمِشْطٍ أَسْنَانُهُ ضَيِّقَةٌ لَا الْوَاسِعَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَمِلَ لُبْسَ الْحَرِيرِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ وَأَلْوَانِهِ، وَلَوْ أَسْوَدَ وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوَاهِرَ زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة الْقَصَبَ.

وَقَوْلُهُ: " إلَّا بِعُذْرٍ " مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ لَا بِالدُّهْنِ وَحْدَهُ فَلَهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ وَالْقَمْلِ وَلَهَا الِاكْتِحَالُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ أُخِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْجَمِيعِ لَكَانَ أَوْلَى لِجَوَازِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ إذَا لَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ لِوُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَذَكَرَ الدُّهْنَ بَعْدَ الطِّيبِ لِيُفِيدَ حُرْمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا كَالزَّيْتِ الْخَالِصِ مِنْهُ وَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ اعْتَادَتْ الدُّهْنَ فَخَافَتْ وَجَعًا، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا يُبَاحُ لَهَا اهـ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ الْخَلَقُ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقُيِّدَ بِإِسْلَامِهَا مَعَ بُلُوغِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَقَدَّمْنَا مَعْنَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَقْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا حِدَادَ عَلَى مَجْنُونَةٍ لِلِاكْتِفَاءِ بِمَا يُخْرِجُ الصَّغِيرَةَ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهَا لَيْسَ إلَّا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهَا وَالْمَجْنُونَةُ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ مُخَاطَبَةٍ فَارَقَتْ فِرَاشَ زَوْجٍ حَلَالٍ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.

وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحُرِّيَّةِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ لِكَوْنِهَا مُكَلَّفَةً بِحُقُوقِ الشَّرْعِ مَا لَمْ يَفُتْ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ وَقْتَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُخْرِجْهَا الْمَوْلَى وَيَحِلُّ إنْ أَخْرَجَهَا وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْقِنَّةِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ فِي الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ قِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ عَدَمُ حِلِّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بِمَا إذَا لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ، فَإِنْ رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهَا أَمَّا غَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا ذَلِكَ بَقِيَ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا فِي الثَّلَاثِ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ الْحِلُّ فِي الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ اهـ.

وَهَذَا الْأَخِيرُ يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ حَلَّ لَهَا ذَلِكَ لَكِنَّ فِيهِ فَوَاتَ حَقِّهِ مِنْ الزِّينَةِ فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ ذِي رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَقِيَ أَنْ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ إلَخْ، فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِنَصِّ الْحَدِيثِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ أُخِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْجَمِيعِ لَكَانَ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ بِتَرْكِ الزِّينَةِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لِذَلِكَ الْإِجْمَالِ.

(قَوْلُهُ لِوُجُوبِ سُتْرَةِ الْعَوْرَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِخْلَافِ بِثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015