الْحُرَّةِ فَقَالَ السُّلْطَانُ أُعْتِقُهُنَّ وَأُجَدِّدُ الْعَقْدَ فَسَأَلَ الْعُلَمَاءَ فَقَالُوا: نِعْمَ مَا فَعَلْت فَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَهُ: أَخْطَأْت؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهِنَّ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ تَزْوِيجُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْغَيْرِ فَأَنْسَى اللَّهُ تَعَالَى الْعُلَمَاءَ الْجَوَابَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِيَظْهَرَ فَضْلُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ اهـ.

وَلَكِنْ حَكَاهَا مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ الشِّحْنَةِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْهِدَايَةِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا خَطَّأَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَغْرَاهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَحَبَسَهُ وَأَنَّ هَذَا كَانَ سَبَبَ حَبْسِهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ كَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَإِنَّ طَلَبَتَهُ وَعُلَمَاءَ عَصْرِهِ لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ وَلَا يَتْرُكُونَ الِاشْتِغَالَ عَلَيْهِ فَمَنَعُوا عَنْهُ كُتُبَهُ فَأَمْلَى الْمَبْسُوطَ مِنْ حِفْظِهِ.

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ حَبْسِهِ أَنَّ السُّلْطَانَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الرَّعِيَّةِ مَظْلِمَةً كَبِيرَةً ثُمَّ تَرَكَ بَعْضَهَا فَمَدَحَهُ الْقَاضِي فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ لَا يُمْدَحُ إذَا تَرَكَ جَمِيعَهُ فَكَيْفَ بِتَرْكِ بَعْضِهِ فَحَبَسَهُ وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَاقِعَةً مُنَاسِبَةً لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى عُلَمَاءِ زَمَانِهِ هِيَ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَيْهِ بِنْتَيْنِ وَعَمِلَ الْوَلِيمَةَ وَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ وَفِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَشْهُورِينَ فَفِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ سَمِعُوا وَلْوَلَةَ النِّسَاءِ فَسَأَلُوا فَأُخْبِرُوا أَنَّهُنَّ غَلِطْنَ فَأُدْخِلَتْ زَوْجَةُ كُلِّ أَخٍ عَلَى أَخِيهِ فَسَأَلُوا الْعُلَمَاءَ فَأَجَابُوا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَجْتَنِبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَتَعُودَ إلَى زَوْجِهَا فَعَسِرَ ذَلِكَ الْجَوَابُ فَقَالَ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُطَلِّقُ كُلٌّ زَوْجَتَهُ وَيَعْقِدُ عَلَى مَوْطُوءَتِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْعِدَّةِ بَعْدَ مَا سَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَخَوَيْنِ عَنْ مُرَادِهِ فَقَالَ كُلُّ مُرَادِي مَوْطُوءَتِي لَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فَرَجَعَ الْعُلَمَاءُ إلَى جَوَابِهِ.

ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ أَعُودَ إلَى شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ تَعْلَمْ كَمْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا تَوْضِيحًا لِلطُّلَّابِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْعِدَّتَيْنِ احْتِيَاطًا وَجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى مَاتَ أَوَّلًا فَعَتَقَتْ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَوَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا وَانْقَضَتْ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَيَجِبُ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى سَبَبٌ لِلِاعْتِدَادِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَقِيَامُ حَقِّ الزَّوْجِ مَانِعٌ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَاءِ الْمَانِعِ فَوَجَبَ حُكْمُ السَّبَبِ احْتِيَاطًا لَهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ وَثَلَاثًا فِي عَقْدَةٍ وَأَرْبَعًا فِي عَقْدَةٍ وَمَاتَ مُجْهِلًا فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَهُوَ تَقْدِيمُ نِكَاحِ فَرِيقٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي السَّبَبِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِ السَّبَبِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ وُجِدَ الشَّرْطُ أَمْ لَا فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَوُجُودُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَاقِعَ لَيْسَ إلَّا لِلِاحْتِمَالِ إلَّا أَنَّ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ ثَابِتٌ وَالِاحْتِمَالَ الْآخَرَ مُحْتَمَلٌ.

بَيَانُ هَذَا أَنَّ مَوْتَ الزَّوْجِ بَعْدَ الْمَوْلَى يُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ قَطْعًا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ ثَابِتٌ وَاحْتِمَالُ مَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلِاعْتِدَادِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ قَطْعًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْمَوْلَى بَعْدَ الزَّوْجِ قَبْلَ انْقِضَاءِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَجِبُ وَجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَتَجِبُ فِيهَا فَالِاحْتِمَالُ ثَابِتٌ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَكَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّابِتُ قَطْعًا قَائِمًا مَقَامَ الْحَقِيقَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَلَا يُقَامُ احْتِمَالُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى أُولَئِكَ النِّسَاءِ لِثُبُوتِ احْتِمَالِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ كُلِّ فَرِيقٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ تَقَدَّمَ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ قَطْعًا وَإِلَّا لَا تَجِبُ قَطْعًا فَيَكُونُ الِاحْتِمَالُ ثَابِتًا فَيَلْحَقُ بِالْحَقِيقَةِ اهـ.

وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ قَوْلُهُمَا احْتِيَاطٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ ثُمَّ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015