وَاقِعًا خَبَرًا عَنْ اسْمِ مَعْنًى نَحْوَ السَّفَرُ غَدًا لَكِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِطْلَاقُ الْمَجَازِيُّ أَعْنِي إطْلَاقَ الْعِدَّةِ عَلَى نَفْسِ الْمُدَّةِ أُطْلِقَ الطَّلَاقُ فَشَمِلَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالدُّخُولِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الدُّخُولُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَتَّى تَجِبَ عَلَى مُطَلَّقَةٍ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَلَوْ فَاسِدَةً كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيهَا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا وَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ أَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ فِي فَرْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ فِي قُبُلِهَا وَفِي تَحْرِيرِ الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبُهَا فِيهِمَا وَلَا بُعْدَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ إدْخَالَ الْمَنِيِّ مُحْتَاجٌ إلَى تَعَرُّفِ الْبَرَاءَةِ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا النَّوْعِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْمَدْخُولَاتُ اللَّاتِي يَحِضْنَ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ.
وَأَصْلُ الْكَلَامِ لِيَتَرَبَّصْنَ وَلَامُ الْأَمْرِ مَحْذُوفَةٌ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ وَإِخْرَاجُ الْأَمْرِ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ تَأْكِيدٌ لَهُ وَلِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ مِمَّا يُتَلَقَّى بِالْمُسَارَعَةِ إلَى امْتِثَالِهِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ فِي الدُّعَاءِ رَحِمَك اللَّهُ أُخْرِجَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ ثِقَةً بِالِاسْتِجَابَةِ كَأَنَّ الرَّحْمَةَ وُجِدَتْ فَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهَا وَبِنَاؤُهُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَلَوْ قِيلَ يَتَرَبَّصُ الْمُطَلَّقَاتُ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الْوَكَادَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ، وَفِي ذِكْرِ الْأَنْفُسِ تَهْيِيجٌ لَهُنَّ عَلَى التَّرَبُّصِ وَزِيَادَةُ تَعَبٍ؛ إذْ نُفُوسُهُنَّ طَوَامِحُ إلَى الرِّجَالِ فَأُمِرْنَ أَنْ يَقْمَعْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَيَغْلِبْنَهَا عَلَى الطُّمُوحِ وَيَجْبُرْنَهَا عَلَى التَّرَبُّصِ وَانْتَصَبَ ثَلَاثَةٌ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ: مُدَّةَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ وَجَاءَ الْمُمَيِّزُ عَلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ دُونَ الْقِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِقْرَاءُ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْجَمْعِيَّةِ وَلَعَلَّ الْقُرُوءَ أَكْثَرُ فِي جَمْعِ الْقُرْءِ مِنْ الْأَقْرَاءِ فَأُوثِرَ عَلَيْهِ تَنْزِيلًا لِقَلِيلِ الِاسْتِعْمَالِ مَنْزِلَةَ الْمُهْمَلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ.
وَالْقُرْءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا فِي الْآيَةِ بِالْحَيْضِ وَالشَّافِعِيُّ بِالطُّهْرِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَإِنَّهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِرُؤْيَةِ قَطْرَةٍ مِنْ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ الْحَيْضَةُ الْأُولَى لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالثَّانِيَةُ لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَةُ لِفَضِيلَةِ الْحُرِّيَّةِ وَشَمِلَ جَمِيعَ أَسْبَابِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَرِدَّةِ أَحَدِهِمَا، وَقَدَّمْنَا فِي نِكَاحِ الْأَوْلِيَاءِ جُمْلَةَ الْفَرْقِ وَالْإِيرَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ هُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ أَوْ الرَّفْعِ، ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ التَّمَامِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ قَبْلَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْفُرْقَةِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ كَالْفُرْقَةِ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالْفُرْقَةِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِ رَفْعٌ وَهَذَا وَاضِحٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ فِي هَذَا الْفَنِّ اهـ.
وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِنْتَ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا عَنْ وَفَاءٍ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَفْسُدُ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَسَقَطَ مَهْرُهَا بِقَدْرِ مَا مَلَكَتْ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا عِدَّةَ وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَهَا الصَّدَاقُ وَالْإِرْثُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِعِتْقِهِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ التَّحْلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ حَيْثُ كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ وَهَكَذَا فِي الْفَسْخِ فَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لَهُ وَتَعْتَدُّ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَا يُزَوِّجَهَا مِنْ الْغَيْرِ مَا لَمْ تَحِضْ
(قَوْلُهُ وَلَا بُعْدَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِالثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا كَانَ عِدَّتُهَا وَضْعَ الْحَمْلِ وَإِلَّا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الِانْتِظَارَ إلَى ظُهُورِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ هُوَ الْعِدَّةُ الَّتِي فَرَرْتَ مِنْهَا وَإِنْ جَوَّزْتَ تَزَوُّجَهَا بَعْدَ إدْخَالِ الْمَنِيِّ احْتَجْت إلَى نَقْلٍ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِانْتِظَارَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْعِدَّةُ فَإِنَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ لَوْ انْتَظَرَتْ ظُهُورَ الْحَمْلِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَكَانَتْ تَزَوَّجَتْ فِي أَثْنَائِهَا ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُ الْحَمْلِ صَحَّ النِّكَاحُ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَإِنْ جَوَّزْتَ تَزَوُّجَهَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا طَلَاقٌ قَبْلَ دُخُولِ فَلَا عِدَّةَ لَهُ فَالنِّكَاحُ بَعْدَهُ صَحِيحٌ وَعَدَمُ تَصْحِيحِهِ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الدَّلِيلِ بِإِثْبَاتِ أَنَّ إدْخَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ هَذَا، وَفِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَلَا بُعْدَ أَنْ يُحْكَمَ بِالثَّانِي مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنْ لَمْ تَجِبْ بِاعْتِبَارِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْخَلْوَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ.
(قَوْلُهُ وَأَصْلُ الْكَلَامِ لِيَتَرَبَّصْنَ) كَانَ الظَّاهِرُ الْإِتْيَانَ بِأَوْ بَدَلَ الْوَاوِ فَإِنَّ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ يَكُونُ أَمْرًا مِثْلَ مُحَمَّدٌ تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْسٍ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّقْسِيمُ لَمْ نَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ الْقِسْمَةَ ثُنَائِيَّةٌ وَأَنَّ الْفُرْقَةَ بِالتَّقْبِيلِ مِنْ الْفَسْخِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَيَّ مِسْكِينٍ قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ وَأَيْضًا مُقْتَضَى كَوْنِهِ رَفْعًا أَنْ يَكُونَ مُنْقِصًا لِلْعَدَدِ إذْ الطَّلَاقُ يَرْفَعُ الْقَيْدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ