حَقِّ عَبْدٍ بِهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ اهـ.
وَلَمْ يُعَلِّلْ لِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَكُنْ الرِّقُّ مُنَصَّفًا لِصَوْمِ الْكَفَّارَاتِ مَعَ أَنَّهُ مُنَصَّفٌ نِعْمَةً وَعُقُوبَةً قُلْت لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَمْ تَتَنَصَّفْ بِالرِّقِّ كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي بَعْضِهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ احْتِيَاطًا ثُمَّ رَأَيْت تَعْلِيلَ مَسْأَلَةِ دَمِ الْإِحْصَارِ فَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أُحْصِرَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ يَلْزَمُهُ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَلَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ حَقٌّ فَإِذَا أَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ وَجَبَ لِبَلِيَّةٍ اُبْتُلِيَ بِهَا الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى فَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ اهـ. .
وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَأَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ خُيِّرَ الْوَصِيُّ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَبَيْنَ الْكِسْوَةِ وَبَيْنَ التَّحْرِيرِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ يَتَعَيَّنُ التَّحْرِيرُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ الثُّلُثَ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ وَلَا دَخْلَ لِلصَّوْمِ فِي الْكُلِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ قُلْت: هَلْ لَنَا حُرٌّ لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِالصَّوْمِ قُلْت الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أُعْتِقَ عَنْهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا وَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْحَجْرِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ) أَيْ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّوْمِ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ كِبَرٍ أَرَادَ بِالْإِطْعَامِ الْإِعْطَاءَ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِالْإِبَاحَةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إذَا أَرَادَ التَّمْلِيكَ أَطْعَمَ كَالْفِطْرَةِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِبَاحَةَ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً وَقُيِّدَ بِالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَجُوزُ إطْعَامُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً وَمَنْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِعَبْدٍ فَقِيرٍ فِي هَذَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْفَقِيرِ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ فَالْمِسْكِينُ وَالْفَقِيرُ سَوَاءٌ فِيهَا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَيْ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَمَمْلُوكِهِ وَالْهَاشِمِيِّ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُهَا وَهُوَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةَ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا.
وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا عُرِفَ فِي الزَّكَاةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ دَقِيقٍ كُلٌّ كَأَصْلِهِ وَكَذَا السَّوِيقُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْبَعْضَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْبَعْضَ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَأَنْ يَدْفَعَ رُبْعَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَنِصْفًا مِنْ شَعِيرٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّكْمِيلُ بِالْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَلَا يَجُوزُ التَّكْمِيلُ بِالْقِيمَةِ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفًا مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَفَاتَهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى هُنَا مِنْ بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَمَسْأَلَةُ الْوَطْءِ لَيْلًا خِلَافِيَّةُ أَبِي يُوسُفَ اهـ. ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُهُ بِمَا دَامَ الْقَاتِلُ حَيًّا أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ أَيْ: فِي الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ لَا فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ إذْ قَوْلُهُمْ لَا إطْعَامَ فِيهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ شَامِلٌ لِلْحَالَتَيْنِ مَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحُ النَّقْلِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِيهِ تَأَمُّلْ اهـ.
وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ، وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ) الْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ فَقِيرٌ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِعَبْدٍ أَخْرَجَ بِهِ دَيْنَ الْحَقِّ تَعَالَى فَلَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُهَا) أَيْ: مَصْرِفُ الْكَفَّارَةِ مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ وَهُوَ أَيْ مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ.
(قَوْلُهُ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْحَاوِي وَإِنْ أَطْعَمَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّهُ يَمْلِكُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُضَارِعٌ الْمُضَاعَفُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَيْ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَنَّ الْمُكَفِّرَ يُمَلِّكُ الْفَقِيرَ نِصْفَ صَاعٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ أَدَّى الدَّقِيقَ أَوْ السَّوِيقَ أَجْزَأَهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي طَرِيقِ الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ فِي دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَصَاعٌ فِي دَقِيقِ الشَّعِيرِ مِنْ شَعِيرِهَا وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَدَقِيقُ كُلٍّ كَأَصْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ ثُمَّ بَعْدَ مَا جَزَمَ بِذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفُوا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ)