أُرَاجِعُك طَلَقَتْ السَّاعَةَ لِأَنَّ لَوْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ.
وَكَذَا لَوْ قَدِمَ أَبُوك رَاجَعْتُك، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْت طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَطَلَّقْتُك فَهَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لِيُطَلِّقَهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ لَزِمَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَلَا يَقَعُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ. اهـ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَلِمَةَ لَوْ مَعَ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ وَضْعًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الشَّرْطِ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَغَيْرُهَا يَعْمَلُ مَعْنًى وَلَفْظًا حَتَّى تَجْزِمَ فِي مَوَاضِعِ الْجَزْمِ، وَفِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْجَزْمِ لَزِمَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي جَزَائِهِنَّ بِخِلَافِ لَوْ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْجَوَازِمِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَمِنْ مَسَائِلِهَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فِي الْمِعْرَاجِ رَجُلٌ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِرَارًا طَلَقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَمَّا أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فَإِنَّهُ أَفَادَ عُمُومَ الصَّيْدِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ لِأَمِيرٍ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبَهُمَا قِيلَ لَا حُجَّةَ لِمُحَمَّدٍ فِي الِاسْتِشْهَادَيْنِ لِأَنَّ الصَّيْدَ فِي قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ عَامٌّ بِاعْتِبَارِ اللَّامِ الِاسْتِغْرَاقِيَّة، وَالْقَتِيلُ عَامٌّ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} [الأنعام: 68] الْآيَةَ {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} [الأنعام: 54] الْآيَةَ فَإِنَّ إذَا فِي ذَلِكَ تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ إنَّ مَتَى تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ إنْ، وَمَنْ، وَمَا، وَمَهْمَا، وَأَيُّ، وَأَيْنَ، وَأَنَّى، وَمَتَى، وَمَتَى مَا، وَحَيْثُ، وَحَيْثُمَا، وَإِذَا، وَإِذَا مَا، وَأَيَّانَ، وَكَيْفَمَا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ النُّحَاةُ كُلًّا وَكُلَّمَا فِيهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْفُقَهَاءُ لِثُبُوتِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَهُمَا، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ صِفَةَ الِاسْمِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ قَالُوا، وَكُلُّهَا جَازِمَةٌ إلَّا لَوْ وَإِذَا، وَالْمَشْهُورُ إنَّهُ إنَّمَا يُجْزَمُ بِإِذَا فِي الشِّعْرِ، وَكَذَا لَوْ، وَالْمُرَادُ بِإِنْ الْمَكْسُورَةُ فَلَوْ فَتَحَهَا تَنَجَّزَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ، وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا بِمَعْنَى إذَا، وَاخْتَارَهُ الْكِسَائَيُّ، وَهُوَ مِنْهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّعْلِيقُ إلَّا بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ فَيَتَعَلَّقَ بِدُونِهَا عَلَى خِلَافٍ فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ الْجَوَابُ أَوْ يُضْمَرُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ، وَالْمُقَدَّمُ دَلِيلُهُ، وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَنَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَا عَلَيْهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَوَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَوْنُ الْأَوَّلِ هُوَ الْجَوَابُ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَكَوْنُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ.
فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدَيْنِ قُلْت يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ضَرَبْت غُلَامَهُ إنْ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ غُلَامَهُ لِزَيْدٍ لِرُتْبَةِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَعْدَ الشَّرْطِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لِرُتْبَتِهِ قَبْلَ الْأَدَاةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّضِيُّ، وَفِي الْأَلْفِيَّةِ لِابْنِ مَالِكٍ
وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ ... شَرْطًا لِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ
وَتَوْضِيحُهُ كَمَا فِي الْمُغْنِي إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي جَوَابٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا قَالَ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي سِتِّ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً نَحْوُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا جَامِدًا نَحْوُ {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا إنْشَائِيًّا نَحْوُ {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا مَاضِيًا لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوُ {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77] الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفِ الِاسْتِقْبَالِ نَحْوُ {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} [المائدة: 54] وَنَحْوُ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] السَّادِسَةُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفٍ لَهُ الصَّدْرُ كَرُبَّ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي نَحْوِ {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] لِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ خَبَرَ الْمَحْذُوفِ فَالْجُمْلَةُ اسْمِيَّةٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ إذَا الْفُجَائِيَّةُ تَنُوبُ عَنْ الْفَاءِ نَحْوُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَمِنْ مَسَائِلِهَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْغَايَةِ أَيْضًا، وَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ الْأَتْي قَرِيبًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ يُفِيدُ ضَعْفَ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ تَقْدِيرُهُ لَكَانَ ظَاهِرًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ إذَا فِي ذَلِكَ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ قِيلَ وَالْأَوْلَى الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: 68] الْآيَةَ حَيْثُ يَحْرُمُ الْقُعُودُ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَقَدْ أَفَادَتْ إذَا التَّكْرَارَ لِعُمُومِ الِاسْمِ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعُمُومَ بِالْعِلَّةِ لَا بِالصِّيغَةِ فِيهِمَا مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ انْتَهَتْ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا الْفَرْعِ ثَانِيًا فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّ مَا هُنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ