فَتْحِ الْقَدِيرِ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ بِالْمَوْتِ لَمَّا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ قَبْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي اللَّبَنِ وَهُمَا، وَإِنْ قَالَا بِنَجَاسَتِهِ لِلْمُجَاوَرَةِ لِلْوِعَاءِ النَّجِسِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ حَلَبَ فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَأَوْجَرَ بِهِ صَبِيٌّ تَثْبُتُ وَهَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللَّبَنِ التَّغَذِّي، وَالْمَوْتُ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوَطْءِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي وَطْءِ الْمَيِّتَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: لَا الِاحْتِقَانُ) أَيْ الِاحْتِقَانُ بِاللَّبَنِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَغَذَّى بِهِ وَلِذَا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ، وَالْأُذُنِ، وَالْجَائِفَةِ، وَالْآمَّةِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الصَّوَابُ حُقِنَ إذَا عُولِجَ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتُقِنَ بِالضَّمِّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ كردن فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالنِّهَايَةِ
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ مَا فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ مِنْ التَّفْسِيرِ لَا يُفِيدُ تَعْدِيَةَ الِافْتِعَالِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَالصَّبِيِّ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ إذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ بَلْ إلَى الْحُقْنَةِ وَهِيَ آلَةُ الِاحْتِقَانِ، وَالْكَلَامُ فِي بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ قَاصِرٍ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْرُورِ، وَالظَّرْفِ كَجُلِسَ فِي الدَّارِ وَمُرَّ بِزَيْدٍ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ الْآلَةِ، وَالظَّرْفِ جَوَازُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْعُولِ بَلْ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ حَقَنْت الْمَرِيضَ إذَا أَوْصَلْت الدَّوَاءَ إلَى بَاطِنِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ بِالْمِحْقَنَةِ وَاحْتَقَنَ هُوَ، وَالِاسْمُ الْحُقْنَةُ مِثْلُ الْغُرْفَةِ مِنْ الِاغْتِرَافِ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى مَا يُتَدَاوَى بِهِ، وَالْجَمْعُ حُقَنٌ مِثْلُ غَرْفَةٍ وَغُرَفٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الرَّجُلِ) أَيْ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ اللَّبَنَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ تُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ فَصَارَ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا نَزَلَ لِلْخُنْثَى لَبَنٌ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ امْرَأَةٌ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ، وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِلْمَرْأَةِ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ:، وَالشَّاةُ) أَيْ لَبَنُ الشَّاةِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ حَتَّى لَوْ ارْتَضَعَ صَبِيٌّ وَصَبِيَّةٌ عَلَى لَبَنِ شَاةٍ فَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَا تَثْبُتُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلِأَنَّ لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْوَجُورَ، وَالسَّعُوطَ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِمَا ذُكِرَ مَا عَدَا الْإِقْطَارَ فِي الْإِحْلِيلِ لِأَنَّ الْفِطْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ، وَالْوَجُورُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الدَّوَاءُ يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ وَيُقَالُ: أَوْجَرْته وَوَجَرْته، وَالسَّعُوطُ: صَبُّهُ فِي الْأَنْفِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ، وَالسَّعُوطُ مِثَالُ رَسُولٍ دَوَاءٌ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ، وَالسَّعُوطُ مِثْلُ قُعُودٍ مَصْدَرٌ وَأَسْعَطَهُ الدَّوَاءُ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ وَاسْتَعَطَ زَيْدٌ، وَالْمُسْعَطُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْوِعَاءُ يُجْعَلُ فِيهِ السَّعُوطُ وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ بِالضَّمِّ وَقِيَاسُهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهُ اسْمُ آلَةٍ وَإِنَّمَا ضُمَّتْ الْمِيمُ لِيُوَافِقَ الْأَبْنِيَةَ الْغَالِبَةَ مِثْلُ فَعْلَلٌّ وَلَوْ كُسِّرَتْ أَدَّى إلَى بِنَاءٍ مَفْقُودٍ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَفْعَلُ وَلَا فَعْلَلٌّ بِكَسْرِ الْأَوَّلِ وَضَمِّ الثَّالِثِ اهـ.
وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْكَشْفِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ دَخَلَ بُخَارَى وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: لَا تَفْعَلْ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نَصِيحَتَهُ حَتَّى اسْتَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ ثَدْيِ لَبَنِ شَاةٍ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ حُرِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ» ، وَقَدْ أَخْطَأَ لِفَوَاتِ الرَّأْيِ وَهَوَائِهِ لَمْ يَتَأَمَّلْ أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَمَنْ لَمْ يَدُقَّ نَظَرُهُ فِي مَنَاطِ الْأَحْكَامِ وَحُكْمِهَا كَثُرَ خَطَؤُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ وَمَوْلِدُهُ مَوْلِدُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمَا وُلِدَا مَعًا فِي الْعَامِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ سَنَةُ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حُرِّمَتَا) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: حَقَنَهُ كردن) أَيْ فَعَلَ الْحُقْنَةَ فكردن مَصْدَرٌ مَاضِيه كرد وَمُضَارِعُهُ كند وَاسْمُ فَاعِلِهِ كرده وَاسْمُ الْمَفْعُولِ كننده فَالْأَوَّلُ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَالرَّابِعُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وكردن بِمَعْنَى فِعْلًا فَحَقَنَهُ كردن بِمَعْنَى فَعَلَ الْحُقْنَةَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ مَقْلُوبَةٌ كَذَا أَفَادَنِيهِ بَعْضُ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهَا (قَوْلُهُ: وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا غَلَطٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ مِحْقَنَةٌ كردن وَكَانَ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي نُسْخَتِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَقَنَهُ كردن كَمَا مَرَّ أَيْ فَعَلَ الْحُقْنَةَ فَفِي كَوْنِهِ غَلَطًا نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الِاحْتِقَانِ بِفِعْلِ الْحُقْنَةِ تَعْدِيَتُهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَمَا لَوْ فَسَّرْت الِاغْتِسَالَ بِفِعْلِ الْغُسْلِ.
(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالثَّلَاثَةِ) أَيْ بِالِاحْتِقَانِ وَلَبَنِ الرَّجُلِ، وَالشَّاةِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا الِاحْتِقَانُ فَيَقُولُ قَيَّدَ بِهِ. . إلَخْ إذْ لَا مَدْخَلَ فِي ذَلِكَ