ووجوب "التثبت من الخبر" وكلها أمور توجه الفكر إلى النقد العقلاني للأمور، وقد نبه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديثه لضرورة تبين الصدق من الكذب أي نقد ما يرى ويسمع، ومن ثم أوجد علماء الحديث تدريجيا أصولا نقدية للتمييز بين الصحيح والموضوع من الأحاديث ولتصنيفها بحسب قربها من الحقيقة، واتبع المؤرخون العرب تلك الأصول للتحقيق من "صحة الخبر" أيضا، والأسلوب النقدي الذي ساروا عليه، واقتدوا فيه بعلماء الحديث كان "التجريح والتعديل" هذا النهج هو في المنهجية العلمية المعاصرة للبحث التاريخي، النقد الباطني السلبي أو ما يسمى بنقد المؤلف.
لقد اتخذوا "الموازنة الزمنية" بين خبرين أو "الموازنة بعامة، من مثال ما أورده السخاوي في كتابه، بل إنهم استطاعوا بذلك النمط من الموازنة والمحاكمة الزمنية التاريخية أن ينقدوا ما يدّعي بأنه "وثائق" ويظهر زيفها، وإن المتتبع لحديث ابن خلدون عن "التاريخ" في مقدمته ونقده للمؤرخين العرب، يرى بوضوح أنه كان مدركا لمختلف عملياته وخطواته، وقد شجب ابن خلدون نقل المؤرخين عن بعضهم أو عن الرواة دون تدقيق أو تمحيص، كما حلل الأسباب التي تلزم المؤرخ على النقد والتمحيص. وميز في عملية النقد التاريخي وقواعدها بين نوعين من الأخبار: الأخبار الشرعية، والأخبار عن الواقعات، وبذلك رسم طريقا واضحة في عملية نقد الخبر أو الواقعة، وإذا كان بعض المؤرخين العرب قد التزم خطة دقيقة في النقد عددا منهم كانوا يتجاوزونه، وينقلون الخبر دون تمحيص عقلاني وقد نقدهم ابن خلدون في مقدمته من مثال نقده للمسعودي عن كيفية بناء الإسكندر للإسكندرية، وما نقله المسعودي في تمثال الزرزور الذي بروما، وحديثه عن مدينة النحاس بصحراء سجلماسه.
حاول المؤرخون العرب ضبط الأحداث زمنا، بوساطة التوقيت لها بالسنة والشهر