نشير أخيرا إلى ما يقال أحيانا من أن الفرضيات ليست ضرورية للبحث وأنها تحد من خيال الباحث، وأن عمل الباحث العلمي أن يجد المجهول وليس أن يوضح المعلوم، وغير ذلك من الأقوال، إن هذه الأقوال تشير إلى جهل الباحث بمهمة الفرضية وتسبب ضياعه، لأن الفرضية أقوى أداة توصل إلى العلم، فمن عمل الباحث أن يشك في جميع التفسيرات التي تقدم إليه، وهو يصر على إخضاع التفسيرات للتجريب، ومن أجل ذلك لا بد له من صياغة تفسيرات قابلة للاختبار والتجريب، والواقع أن هذه التفسيرات هي الفرضيات، والحق أن العالم لا يفعل أكثر من صياغة فرضيات من الحوادث وأسبابها ونتائجها ويخضعها فيما بعد لمزيد من الملاحظة والتجريب والاختبار، وإذا لم يتمكن الباحث من أن يضع التفسير في صيغة قابلة للاختبار الفعلي التجريبي، فإن تفسيره يكون ميقافيزيقيا وليس علميا، وسوء ثبتت صحة الفرضية أو لم تثبت فإنه من الصعب تصور حدوث أي تقدم على الإطلاق بدون فرضيات فهي أقوى أداة أوجدها الإنسان للتوصل إلى العلم الذي يمكن الاعتماد عليه1.