منطق المنقول، وميزان تصحيح الأخبار". ومع هذا فقد ابتدع بعض المتقدمين بدعة سيئة هي عدم الاحتجاج بالأحاديث، لأنها تسمى في اصطلاحات بعض الفنون -ظنية الثبوت- أي أنها لم تثبت بالتواتر الموجب للقطع في النقل وكان هذا اتباعا لاصطلاح لفظي لا أثر له في القيمة التاريخية لإثبات صحة الرواية، فما كل رواية صادقة يثق بها العالم المطلع المتمكن من علمه بواجب في صحتها والتصديق بها واطمئنان القلب إليها أن تكون ثابتة ثبوت التواتر الموجب للعلم البديهي، وإلا لما صح لنا أن نثق بأكثر النقول في أكثر العلوم والمعارف.
وكانت هذه الفئة التي تذهب هذا المذهب الرديء فئة قليلة محصورة مغمورة لا أثر لقولها في شيء من العلم، ولكن نبغ في عصرنا هذا بعض النوابغ ممن اصطنعتهم أوروبا وادَخَرتْهم لنفسها من المسلمين فتبعوا شيوخهم من المستشرقين، وهم طلائع المبشرين وزعموا كزعمهم أن كل الأحاديث لا صحة لها ولا أصل وأنها لا يجوز الاحتجاج بها في الدين، وبعضهم يتخطى القواعد الدقيقة الصحيحة، ثم يذهب يثبت الأحاديث وينفيها بما يبدوا لعقله وهواه من غير قاعدة معينة ولا حجة ولا بينة.
وهؤلاء لا ينفع فيهم دواء إلا أن يتعلموا العلم ويتأدبوا بأدبه ثم الله يهدي من يشاء.
وأما الطعن في الأحاديث الصحيحة جملة، والشك في صحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنما هو إعلان للعداء للمسلمين ممن عمد إليه عن علم ومعرفة أو جهل وقصر نظر ممن قلد فيه غيره ولم يعرف عواقبه