قَالَ اِبْنُ الصَّلَاحِ (?): وَقَدْ فُقِدَتْ شُرُوطُ الْأَهْلِيَّةِ فِي غَالِبِ أَهْلِ زَمَانِنَا، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُرَاعَاةُ اِتِّصَالِ السِّلْسِلَةِ فِي الْإِسْنَادِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ [الشيخ] (?) مَشْهُورًا بِفِسْقٍ وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا عَنْ ضَبْطِ سَمَاعِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ «1»
وَاللَّهُ أَعْلَمُ. S
«1» [شاكر] الشروط السابقة في عدالة الراوي إنما تراعى بالدقة في المتقدمين. وأما المتأخرون - بعد سنة ثلاثمائة تقريبا- فيكفي أن يكون الراوي مسلما بالغا عاقلاً، غير متظاهر بفسق أو بما يخل بمروءته، وأن يكون سماعه ثابتا بخط ثقة غير متهم، وبرواية من أصل صحيح موافق شيخه؛ لأن المقصود بقاء سلسلة الإسناد. وإلا فإن الروايات استقرت في الكتب المعروفة، وصارت الرواية في الحقيقة رواية للكتب فقط.
قال الحافظ البيهقي: "توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زماننا، الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يُقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث. فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لا يقبل منه. ومن جاء بحديث معروف عندهم، فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خُصت بها هذه الأمة، شرفا لنبينا صلى الله عليه وسلم".
وقال الذهبي في الميزان [1/ 4]: ليس العمدة في زماننا على الرواة، بل على المحدثين والمفيدين الذين عُرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين. ثم مِن المعلوم أنه لا بد من صون الراوي وستره، فالعبرة في رواية المتأخرين على الكتب والأصول الصحيحة التي اشتهرت بنسبتها إلى مؤلفيها، بل تواتر بعضها إليهم. وهذا شيء واضح لا يحتاج إلى بيان. [شاكر]