(قُلْتُ) وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَفَّرَ مُتَعَمِّدَ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ (?)، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَتِّمُ قَتْلَهُ، وَقَدْ حَرَّرْتُ ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. S

= قال الصيرفي: "كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر".

وقال أبو المظفر السمعاني: "من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه".

ورد النووي هذا، فقال في شرح مسلم [1/ 70]: "المختار القطع بصحة توبته وقبول روايته، كشهادته، كالكافر إذا أسلم".

والراجح ما قاله أحمد بن حنبل ومن معه، تغليظاً وزجرًا بليغاً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعظم مفسدته، فإنه يصير شرعاً مستمرًّا إلى يوم القيامة، بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة، فلا يقاس الكذب في الرواية على الكذب في الشهادة أو في غيرها ولا على أنواع المعاصي الأخرى.

قال في التدريب [1]: "وقد وجدت في الفقه فرعين يشهدان لما قاله الصيرفي والسمعاني: فذكروا في باب اللعان: أن الزاني إذا تاب وحسنت توبته لا يعود محصنا ولا يحد قاذفه بعد ذلك، لبقاء ثُلمة عرضه. فهذا نظير أن الكاذب لا يقبل خبره أبدًا. وذكروا أنه لو قذف ثم زنى بعد القذف قبل أن يحد القاذف لم يحد، لأن الله تعالى أجرى العادة أنه لا يفضح أحدًا من أول مرة، فالظاهر تقدم زناه قبل ذلك، فلم يحد له القاذف.

وكذلك نقول فيمن تبين كذبه: الظاهر تكرر ذلك منه حتى ظهر لنا، ولم يتعين لنا ذلك فيما روي من حديثه، فوجب إسقاط الكل. وهذا واضح بلا شك، ولم أر أحدًا تنبه لما حررته ولله الحمد". [شاكر]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015