. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . S
البخاري، فيما رواه الخطيب [1] فإنهم اجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد آخر وإسناد هذا لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة. وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الوعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث؟ فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، .... فما زال يلقى عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فَهِمَ الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة؟ فقال البخاري: لا أعرفه ... فلم يزل يلقي إليه واحد بعد واحد، حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه ثم انتدب إليه الثالث والرابع، إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا والثالث، والرابع، على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها فأقر له الناس بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل، أ. هـ
وهذا العمل محرم أن يقصده العالم به، إلا إن كان يريد به الاختبار. وشرط الجواز- كما قال الحافظ ابن حجر [2]- أن لا يستمر عليه بل ينتهي بانتهاء الحاجة.
_____
[1] انظر القصة في "مشايخ البخاري" لابن عدي ص 62 ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد"2/ 340، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 52/ 66، قال ابن حجر "النكت" 2/ 869: " سمعت شيخنا غير مرة يقول: ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته، وإنما يتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة."
[2] (ص 96 - نزهة)