ثم المسلم إن كان لا يكون مسلماً إلا بفعل كل ما سميتموه إسلاماً، لزم أن يكون الفساق ليسوا مسلمين مع كونهم مؤمنين، فجعلتم المؤمنين الكاملي الإيمان عندكم ليسوا مسلمين وهذا شر من قول الكَرَّامية، ويلزم أن الفساق من أهل القبلة ليسوا مسلمين، وهذا شر من قول الخوارج والمعتزلة وغيرهم، بل وأن يكون مَنْ ترك التطوعات ليس مسلماً، إذ كانت التطوعات طاعة لله، إن جعلتم كل طاعة فرضاً أو نفلاً إسلاماً.

ثم هذا خلاف ما احتججتم به من قوله للأعراب: {لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] . فأثبت لهم الإسلام دون الإيمان، وأيضاً فإخراجكم الفساق من اسم الإسلام إن أخرجتموهم، أعظم شناعة من إخراجهم من اسم الإيمان، فوقعتم في أعظم ما عبتموه على المعتزلة، فإن الكتاب والسنة تنفي عنهم اسم الإيمان أعظم مما تنفي اسم الإسلام، واسم الإيمان في الكتاب والسنة أعظم.

وإن قلتم: بل كل من فعل طاعة سمى مسلمًا، لزم أن يكون من فعل طاعة من الطاعات ولم يتكلم بالشهادتين مسلماً، ومن صدق بقلبه ولم يتكلم بلسانه أن يكون مسلماً عندكم، لأن الإيمان عندكم إسلام، فمن أتى به فقد أتى بالإسلام، فيكون مسلماً عندكم من تكلم بالشهادتين ولا أتى بشيء من الأعمال.

واحتجاجكم بقوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] ، قلتم: نفي عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام. فيقال: هذه الآية حجة عليكم؛ لأنه لما أثبت لهم الإسلام مع انتفاء الإيمان، دل ذلك على أن الإيمان ليس بجزء من الإسلام، إذ لو كان بعضه لما كانوا مسلمين إن لم يأتوا به، وإن قلتم: أردنا بقولنا: أثبت لهم الإسلام أي إسلاماً ما، فإن كل طاعة من الإسلام إسلام عندنا، لزمكم ما تقدم، من أن يكون صوم يوم إسلاماً، وصدقة درهم إسلاماً، وأمثال ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015