ولم يعرف صفات الحق، هل يكون مؤمنا أم لا؟ فإن جعلوه مؤمناً، قيل: فإذا بلغه ذلك فكذب به، لم يكن مؤمنا باتفاق المسلمين، فصار بعض الإيمان أكمل من بعض، وإن قالوا: لا يكون مؤمناً، لزمهم أن لا يكون أحد مؤمناً حتى يعرف تفصيل كل ما أخبر به الرسول، ومعلوم أن أكثر الأمة لا يعرفون ذلك وعندهم الإيمان لا يتفاضل إلا بالدوام فقط.

قال أبو المعالي: فإن قال القائل: أصلكم يلزمكم أن يكون إيمان المنهمك في فسقه كإيمان النبي صلىالله عليه وسلم.

قلنا: الذي يفضل إيمانه على إيمان من عداه باستمرار تصديقه وعصمة الله إياه من مُخَامَرَة الشُّكُوك واخْتِلاج الرَّيَب. والتصديق عَرَض من الأعراض لا يبقى وهو متوال للنبي صلى الله عليه وسلم ثابت لغيره في بعض الأوقات، وزائل عنه في أوقات الفترات، فيثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أعداد من التصديق، ولا يثبت لغيره إلا بعضها، فيكون إيمانه لذلك أكثر وأفضل، قال: ولو وصف الإيمان بالزيادة والنقصان، وأريد به ذلك، كان مستقيماً.

قلت: فهذا هو الذي يفضل به النبي غيره في الإيمان عندهم، ومعلوم أن هذا في غاية الفساد من وجوه كثيرة، كما قد بسط في مواضع أخرى.

فصْل

قال الذين نصروا مذهب جهم في الإيمان من المتأخرين كالقاضي أبي بكر وهذا لفظه فإن قال قائل: وما الإسلام عندكم؟ قيل له: الإسلام: الإنقياد والاستسلام، فكل طاعة انقاد العبد بها لربه واستسلم فيها لأمره فهي إسلام، والإيمان: خصلة من خصال الإسلام، وكل إيمان إسلام، وليس كل إسلام إيمانًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015