النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل ولا أبو بكر ولا عمر. فلو كان من لم يأت بكمالها المستحب يجوز نفيها عنه، لجاز أن ينفي عن جمهور المسلمين من الأولين والآخرين، وهذا لا يقوله عاقل.

فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه، ويتعرض للعقوبة، فقد صدق. وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب، فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله، ولا يجوز أن يقع؛ فإن من فعل الواجب كما وجب عليه، ولم ينتقص من واجبه شيئاً، لم يجز أن يقال: ما فعله لا حقيقة ولا مجازاً. فإذا قال للأعرابي المسيء في صلاته: " ارجع فَصَلِّ، فإنك لم تُصَلِّ "، وقال لمن صلى خلف الصف وقد أمره بالإعادة: " لا صلاة لفَذٍّ خلف الصف " كان لترك واجب، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] ، يبين أن الجهاد واجب، وترك الارتياب واجب.

والجهاد وإن كان فرضاً على الكفاية فجميع المؤمنين يخاطبون به ابتداء، فعليهم كلهم اعتقاد وجوبه، والعزم على فعله إذا تعين؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يَغْزولم يُحَدِّث نفسه بغزو، مات على شُعْبَة نفاق " رواه مسلم. فأخبر أنه من لم يَهِمّ به، كان على شعبة نفاق. وأيضاً، فالجهاد جنس، تحته أنواع متعددة، ولابد أن يجب على المؤمن نوع من أنواعه. وكذلك قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015