وأبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ سلفي العقيدة ولا ريب، إلا أن هناك مسألة عقدية تعرَّض للنقد فيها من جانب أئمة السلف، وعلمائهم، وهي قوله في الإيمان، الذي لأجله رُميَ بالإرجاء.
رأي أبي حنيفة في حقيقة الإيمان:
وقبل أن أذكر وجهة نظر الناقدين له يحسن بي أن أبين رأي الإمام أبي حنيفة في الإيمان أولاً، فأقول وبالله التوفيق:
إن أبا حنيفة ـ رضي الله عنه ـ قد اشتهر عنه قوله بأن الإيمان عبارة عن أمرين لا ثالث لهما، تصديق بالقلب، وإقرار باللسان.
قال ـ رحمه الله ـ في ((الوصية)) 1: الإيمان إقرار باللسان، وتصديق بالجنان، والإقرار لا يكون وحده إيماناً، لأنه لو كان إيماناً لكان المنافقون كلهم مؤمنين. وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إيماناً، لأنها لو كانت إيماناً لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين. قال تعالى في حق المنافقين: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 2، وقال تعالى في حق أهل الكتاب: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} 3.
قال شارح الفقه الأكبر ـ بعد سَوْقِه لما تقدم ـ ضمن شرحه: والمعنى أن مجرد معرفة أهل الكتاب بالله ورسوله لا ينفعهم4، حيث ما أقروا بنبوة