البغدادي جزم بإخراج النجارية عن فرق المرجئة الخالصة وعقد لها فصلاً خاصاً ذكر رأيها الذي تجتمع عليه في الإيمان وهو عين ما ذكره الأشعري1. وما ذكره الشهرستاني وذكر بعضه الأشعري من مقالات المرجئة قد يظن الشخص لتعددها أنها مختلفة، فيتساءل كيف يمكن أن يُجمَعوا تحت اسم واحد مع اختلاف أقوالهم؟ ونحن نقول أنه مهما يكن من تعدد طوائف المرجئة، فإن أقوالهم متقاربة ويكادون يُجمِعون على أن العمل ليس ركناً في الإيمان ولا داخلاً في مفهومه، كما أن المبدأ العام الذي يجمعهم هو ما اشتهر عنهم من قولهم: " إنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة " 2. فهؤلاء هم المرجئة الخالصة، وهذه هي مقالتهم المشتهرة عنهم، كما يقول التفتازاني أيضاً في ((شرح المقاصد)) : " وإنما المرجئة الخالصة الباطلة، هم الذين يحكمون بأن صاحب الكبيرة لا يُعذَّب أصلاً، وإنما العذاب والنار للكفار، وهذا تفريط، كما أن قول الوعيدية إفراط، والتفويض إلى الله تعالى وسط بينهما " 3.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن هؤلاء المرجئة يتفقون مع الخوارج والمعتزلة والجهمية في مذهبهم القائل بأنه لا يتصور أن الشخص الواحد يدخل الجنة والنار جميعاً، بل من دخل إحداهما لم يدخل الأخرى. وبناء على هذا الأصل قال غلاة المرجئة: إن أهل الكبائر يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار، مقابلة للخوارج والمعتزلة القائلين بأنهم يدخلون النار، ولا يخرجون منها، لأن من دخلها عندهم يخلد فيها 4.