'ن هذه الآيات لها دلالة عقلية على البعث: أنها نقلة ضخمة بعيدة الأغوار والآماد، تشهد بالقدرة التي لا يعجزها البعث وأن إنشاء الإنسان من التراب، وتطور الجنين في مراحل حياته، وانبعاث الحياة من الأرض بعد الهمود، كل ذلك متعلق بأن الله هو الحق، فهو من السنن المضطردة التي تنشأ من أن خالقها هو الحق الذي لا تختل سننه ولا تتخلف، وأن اتجاه الحياة في هذه الأطوار ليدل على الإرادة التي تدفعها وتنسق خطاها وترتب مراحلها، فهناك ارتباط وثيق بين أن الله هو الحق، وبين هذا الاضطراد والثبات، والاتجاه الذي لا يحيد، وأن إحياء الموتى هو إعادة للحياة والذي أنشأ الحياة الأولى هو الذي ينشئها للمرة الآخرة " وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ" ليلاقوا ما يستحقونه من جزاء، فهذا البعث تقتضيه حكمة الخلق والتدبير، وإن هذه الأطوار التي يمر بها الجنين، ثم يمر بها الطفل بعد أن يرى النور، لتشير إلى أن الإرادة المدبرة لهذه الأطوار ستدفع بالإنسان إلى حيث يبلغ كماله الممكن في دار الكمال، إذ أن الإنسان لا يبلغ كماله في حياة الأرض، فهو يقف ثم يتراجع " لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا"، فلا بد من دار أخرى يتم فيها تمام الإنسان، فدلالة هذه الأطوار على البعث دلالة مزدوجة، فهي تدل على البعث من ناحية أن القادر على الإنشاء قادر على الإعادة، وهي تدل على البعث لأن الإرادة المدبرة تكمل تطوير الإنسان في الدار الآخرة، وهكذا تلتقي نواميس الخلق والإعادة ونواميس الحياة والبعث، ونواميس الحساب والجزاء، تشهد كلها بوجود الخالق المدبر القادر، الذي ليس في وجوده جدال (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015