وإقامة التوراة والإنجيل بالنسبة لأهل الكتاب المخاطبين بهذه الآية معناها: الإقرار بوحدانية الله، ذلك أن التوراة والإنجيل المنزلين من عند الله يقرران هذه الوحدانية تقريراً جازماً، ولكن أهل الكتاب حرفوهما، فالمطلوب منهم هو إقامتها مرة أخرى، أي الرجوع إلى أصل التوحيد، ثم إن التوراة والإنجيل قد ذكرا محمداً صلى الله عليه وسلم وأمر بإتباعه عند ظهوره، فإقامتهما معناها الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل عليه من وحي .. أي الإسلام، قال تعالى:" إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ" (آل عمران، آية: 19).
وقال تعالى:" وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران، آية: 85).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (?).
وفي خلاصة هذا المبحث يتضح لنا:
ـ أن الله عز وجل أنزل كتباً ورد ذكرها في القرآن الكريم هي بترتيبها التاريخي كما يأتي: صحف إبراهيم ـ التوراة ـ الزبور ـ الإنجيل ـ القرآن.
ـ وأن هذه الكتب جميعاً تحتوي على حقيقة أساسية هي وحدانية الله عز وجل ووجوب إخلاص العبادة له بغير شريك، وطاعته فيما يأمر وينهي عنه.
ـ أن الكتب السابقة على القرآن لم يعد لها وجود في صورتها المنزلة لأنها إما ضاعت ولم يعد لها أثر معروف كصحف إبراهيم، وإما حرفت على أيدي أصحابها كالتوراة والإنجيل.
ـ أن التحريف الغالب إما بالتغيير والإضافة وإما بالكتمان، ومن أبرز الإضافات أساطير التوراة وقصة تأليه عيسى وقصة التثليث، ومن أبرز ما كتموه الإخبار عن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.