ثالثاً: كلام حسن لابن القيم في الكوني والشرعي:

قال ابن القيم في شفاء العليل: الباب التاسع والعشرون: في انقسام القضاء، والحكم، والإرادة، والكتابة، والإذن، والجعل، والكلمات، والبعث، والإرسال، والتحريم، والإنشاء: إلى كوني متعلق بخلقه، وإلى ديني متعلق بأمره وما يحقق ذلك من إزالة اللبس والإشكال، هذا الباب متصل بالباب الذي قبله (?)، فما كان من كوني فهو متعلق بربوبيته وخلقه، وما كان من الديني فهو متعلق بإلاهيته وشرعه، وهو كما أخبر عن نفسه سبحانه له الخلق والأمر، فالخلق قضاؤه وقدره وفعله، والأمر شرعه ودينه، فهو الذي خلق وشرع وأمر، وأحكامه جارية على خلقه قدراً وشرعاً، ولا خروج لأحد عن حكمه الكوني والقدري.

أما حكمه الديني الشرعي فيعصيه الفجار والفساق، والأمران غير متلازمين، فقد يُقضى ويُقدِّر ما لا يأمر به ولا شرعه، وقد يشرَّع ويأمر بما لا يقضيه ولا يقدره، ويجتمع الأمران فيما وقع من طاعات عباده وإيمانهم، وينتفي الأمران عما لم يقع من المعاصي والفسق والكفر، وينفرد القضاء الديني والحكم الشرعي في ما أمر به وشرعه ولم يفعله المأمور، وينفرد الحكم الكوني فيما وقع من المعاصي إذا عرف ذلك.

فالقضاء في كتاب الله نوعان:

ـ كوني قدري: كقوله:" فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ" (سبأ، آية: 14).

وكقوله تعالى:" وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ" (الزمر، آية: 75).

ـ وشرعي ديني: كقوله:" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُو اْإِلاَّ إِيَّاهُ" (الإسراء، آية: 23). أي: أمر وشرع ولو كان قضاء كونياً لما عبد غير الله.

والحكم أيضاً نوعان:

فالكوني: كقوله:" قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ" (الأنبياء، آية: 112). أي: افعل ما تنصر به عبادك، وتخذل به أعداءك.

والديني: كقوله:" ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ" (الممتحنة، آية: 10).

وقال تعالى:" إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ" (المائدة، آية: 1).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015