الايمان بالقدر (صفحة 319)

فالإيمان بالقدر من أعظم ما دفع المجاهدين إلى الإقدام في ميدان النزال غير هيابين ولا وجلين، وكان الواحد منهم يطلب الموت في مظانه، ويرمي بنفسه في مضائق يظن فيها هلكته، ثمّ تراه يموت على فراشه، فيبكي أن لم يسقط في ميدان النزال شهيداً وهو الذي كان يقتحم الأخطار والأهوال (?)، فهذا خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة وأدرك ذلك بكى وقال: ما من عمل أرجى عندي بعد لا إله إلا الله، من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين، بتها وأنا متترس والسماء تنهل عليّ، وأنا انتظر الصبح حتى أغير على الكفار، فعليكم بالجهاد، لقد شهدت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء، لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدّر لي إلا أن أموت على فراشي (?)، وقد تصدى خالد لطغيان الفرس والروم معاً.

4ـ الصبر عند نزول المصائب:

ومن ثمرات الإيمان بالقدر الصبر عند نزول المصائب، فالمؤمن بالقدر لا يسيطر عليه الجزع، والفزع، ولا يستبد به السخط والهلع، بل يستقبل مصائب الدهر بثبات، كثبات الجبال فقد استقر في اعماقه، قول الله تعالى:"مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ" (الحديد، آية: 22 ـ 23) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015