ليس هذا الذي تتصوره أو تصوره الديانات والفلسفات هو إله الإسلام، إنما الإله في الإسلام هو مالك الملك، وصاحب الخلق والأمر، رب العالمين، هو خالق كل شيء عن قبضة قهره، ولا حي أو جماد عن دائرة سلطانه، يحكم ما يريد، ويفعل ما يشاء، ولا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو مع هذا بر كريم، عدل رحيم، عليم حكيم، لا يظلم أحداً، ولا يأخذ مخلوقاً بذنب غيره، ولا يبخسه أجر سعيه، فلا يخاف أحد عنده ظلماً ولا هضماً، والظلم: أن يعاقبه بما لم يفعل والهضم: أن يضيع أجر ما قد عمل، والله سبحانه لا يعاقب بغير سيئة ولا يضيع أجر حسنة، بل يضاعفها كما قال سبحانه:" إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرً عَظِيمًا" (النساء، آية: 40).
هذا هو الإله الذي يجري كل شيء في الكون بتقديره وتدبيره بعلمه ومشيئته ومقتضى حكمته، وعلى هذا الأساس كان إيمان السلف بالقدر من الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، فليس الإيمان بالقدر إيماناً بالبخت والمصادفات والعشوائية في الكون، كهؤلاء الذين ينقلون إلى العربية التغييرات اليونانية والغربية عن القدر فتراهم يقولون: القدر الأعمى، والقدر الأحمق، والقدر الغاشم، وعبث الأقدار ونحوها، وهي ألفاظ وتعبيرات يبرأ منها الإسلام والمسلمون، إنما هو إيمان بإحاطة علم الله وعموم مشيئته وشمول قدرته، وربوبيته لكل ما في الكون وإن كل ما يحدث في الوجود إنما يتم بناء على ترتيب أو تصميم سابق، وتدبير قدير، وتقدير عزيز عليم (?).
دلت نصوص السنة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً، ولكن نعرض لبعضها وسنبين البعض الآخر في الأدلة التفصيلية عند الحديث على مراتب القدر ومن هذه الأحاديث: