إن ذا القرنين رفض أن يكون هؤلاء المستضعفون عاطلين، وهذا يلفتنا إلى أن عطاء الله سبحانه وتعالى، عطاء إمكانات، وعطاء ذاتي في النفس .. عطاء الإمكانات هو ما تستطيع أن توفره من وسائل تعينك على أداء العمل، والعطاء الذاتي في النفس: هو القوة الذاتية داخلك التي تعطيك طاقة العمل، وكثير منا لا يلتفت إلى عطاء النفس .. لا يلتفت إلى أنه فيه قوة يستطيع أن يعمل بها أعمالاً كثيرة، وأنه لا يستخدمها وأن لديه قوة تحمّل بإمكانه أن ينتقل من مكان إلى آخر .. وأن يعمل أعمالاً كثيرة (?).
إن ذا القرنين لم يستعن بجيشه ولا بأناس آخرين، إنما استعان بهؤلاء الضعفاء وطلب منهم أن يأتوا بالحديد، ثم بناء السد بحيث وصل به إلى قمة الجبلين، ثم قام بصهر الحديد، وأفرغ عليه النحاس ليكون السد في غاية المتانة والقوة.
إذن فهو قوّى هؤلاء الضعفاء الذين كان يهاجمهم يأجوج ومأجوج، بأن علمهم كيف يعينون أنفسهم وكيف يبنون السد وجعلهم هم الذين يشتركون في البناء وهم الذين يقيمونه، وأعانهم هو بخبرته وعلمه فقط، ليأخذوا الثقة في أنفسهم بأنهم يستطيعون حماية أنفسهم وليتعلموا ما يعينهم ويحميهم، والإسلام ينهانا أن نعوّد الناس على الكسل أو نعطيهم أجراً بلا عمل، لأن ذلك هو الذي يفسد المجتمع، فالإنسان متى تقاضى أجراً بلا عمل لا يمكن أن يعمل بعد ذلك أبداً (?).
إن ذا القرنين قام بمهمة الحاكم الممكن له في الأرض، فقوى المستضعفين وجعله قادراً على حماية أنفسهم من العدوان ولا يعتمد على حماية أحد، ولم يترك الناس في مقاعد المتفرجين بل نقلهم إلى ساحة العاملين.
فعندما تحرك القوم المستضعفون نحو العمل بقيادة ذي القرنين، وصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة (?).
ونقف مع ذي القرنين بعد أن تمّ بناء السد: