الايمان بالقدر (صفحة 136)

ومن تدبر القرآن تبين له أن عامة ما يذكره الله من خلق الكفر والمعاصي يجعله جزاء لذلك العمل كقوله تعالى:" فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام، آية: 125).

ـ وقال تعالى:" فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" (الصف، آية: 5).

ـ وقال تعالى:" وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى *وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" (الليل، آية: 8 ـ 10).

وهذا وأمثاله بذلوا فيه أعمالاً عاقبهم الله بها على فعل محظور وترك مأمور، وتلك الأمور إنما خلقت لكونهم لم يفعلوا ما خلقوا له، ولابد لهم من حركة وإرادة فلما لم يتحركوا بالحسنات حركوا بالسيئات عدلاً من الله، حيث وضع ذلك في محله القابل له، وهو القلب الذي لا يكون إلا عاملاً فإذا لم يعمل الحسنة استعمل في السيئة: نفسك إن لم تشغلها شغلتك (?).

يقول الشيخ محمد رشيد رضا عند قوله تعالى:" وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ" (يونس، آية: 100) أي: وما كان لنفس ولا من شأنها فيما أشير إليه من استقلالها في أفعالها ولا مما أعطاها الله من الاختيار فيما هداه من النجدين وما ألهمها من فجورها وتقواها الفطريين أن تؤمن إلا بإرادة الله ومقتضى سنته في استطاعة الترجيح بين المتعارضين، فهي مختارة في دائرة الاسباب والمسببات ولكنها غير مستقله في اختيارها أتم الاستقلال بل مقيدة بنظام السنن و الأقدار، فالمنفي هو استطاعة الخروج عن هذا النظام العام لا الاستطاعة الخاصة الموافقة له (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015