لو شاء اللّه لجعل لجميع النفوس طريقا واحدا. هو طريق الهدى، كما وحد طريق المخلوقات التي تهتدي بإلهام كامن في فطرتها، وتسلك طريقة واحدة في حياتها من الحشرات والطير والدواب أو الخلائق التي لا تعرف إلا الطاعات كالملائكة. لكن إرادة اللّه اقتضت أن يكون لهذا الخلق المسمى بالإنسان طبيعة خاصة، يملك معها الهدى والضلال ويختار الهداية أو يحيد عنها ويؤدي دوره في هذا الكون بهذه الطبيعة الخاصة، التي فطره اللّه عليها لغرض ولحكمة في تصميم هذا الوجود. ومن ثم كتب اللّه في قدره أن يملأ جهنم من الجنة ومن الناس الذين يختارون الضلالة، ويسلكون الطريق المؤدي إلى جهنم. (?)
وقوله تعالى: «وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها .. وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».هو ردّ ضمنى على ما طلب المجرمون من أن يعودوا إلى الحياة الدنيا مرة أخرى ..
والمعنى: أن الهدى بيد اللّه، وفي قيد مشيئته .. وأنه سبحانه لو شاء لهدى الناس جميعا، ولكنه سبحانه جعل للجنة أهلها ولها يعملون، وجعل للنار أهلها ولها يعملون .. وأن مما قضى اللّه به في خلقه أن يملأ النار ويعمرها بمن جعلهم من أهلها، من الجنة والناس!
وأن هؤلاء المجرمين الذين رأوا مشاهد القيامة، وعاينوا أهوالها، وتمنوا العودة إلى الدنيا، ليستقيموا على طريق الحق والهدى ـ هؤلاء المجرمون، لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه، ولركبوا نفس الطريق الذي كانوا عليه من قبل، ولماتوا على الكفر والضلال، ولكانوا في أصحاب النار، وذلك لأن قضاء اللّه فيهم قد سبق، وأنهم لن يخرجوا عما قضى اللّه فيهم! (?)
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبُّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ وَقَدْ نَعَسَ بَعْضُ