يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» (?)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: أُنْزِلَتْ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَاعِدٌ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:" مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ " فَقَالَ: أَبْكَانِي هَذِهِ السُّورَةُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:" لَوْ أَنَّكُمْ لَا تُخْطِئُونَ، وَلَا تُذْنِبُونَ فَيُغْفَرُ لَكُمْ لَخَلَقَ اللهُ أُمَّةً مِنْ بَعْدَكُمْ يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " (?)
فالله سبحانه لكمال محبته لأسمائه وصفاته اقتضى حمده، وحكمته أن يخلق خلقاً يظهر فيهم أحكامها وآثارها، فلمحبته للعفو خلق من يحسن العفو عنه، ولمحبته للمغفرة خلق من يغفر له، ويحلم عنه، ويصبر عليه، ولا يعاجله، بل يكون يحب أمانه وإمهاله.
ولمحبته لعدله وحكمته خلق من يظهر فيهم عدله وحكمته، ولمحبته للجود والإحسان والبر خلق من يعامله بالإساءَة والعصيان، وهو سبحانه يعامله بالمغفرة والإحسان، فلولا خلقه من يجري على أيديهم أنواع المعاصي والمخالفات، لفاتت هذه الحكم والمصالح وأضعافها وأضعاف أضعافها، فتبارك الله رب العالمين، وأحكم الحاكمين، ذو الحكمة البالغة، والنعم السابغة، الذي وصلت حكمته إلى حيث وصلت قدرته، وله في كل شيء حكمة باهرة، كما أن له فيه قدرة قاهرة وهدايات.
فكم حصل بسبب هذا المخلوق البغيض للرب، المسخوط له من محبوب له تبارك وتعالى، يتصل في حبه ما حصل به من مكروه، والحكيم الباهر الحكمة هو الذي يحصل أحب الأمرين إليه باحتمال المكروه الذي يبغضه ويسخطه، إذا كان طريقاً إلى حصول ذلك المحبوب. ووجود الملزوم بدون لازمه محال.