المبحث الثالث عشر
كيف يصل الشيطان بوسوسته إلى نفس الإنسان
الشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان وقلبه بطريقة لا ندركها، ولا نعرفها، يساعده على ذلك طبيعته التي خلق عليها، وهذا هو الذي نسميه بالوسوسة، وقد أخبرنا الله بذلك إذ سماه: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} [الناس: 4 - 6].
أي مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ المُوَسْوِسِ، الكَثِيرِ الاخْتِفَاءِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، الذِي يَذْهَبُ بالنَّفْسِ إِلَى أَسْوَإِ مَصِيرٍ إِذَا أَطَاعَتْ وَسْوَسَتَهُ، وَانْسَاقَتْ مَعَهُ. وَهَذَا الوَسْوَاسُ الخَنَّاسُ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَيُزَيِّنُ لَهُم الشَّرَّ وَالسُّوءَ لِيَصْرِفَهُمْ عَنْ سَبِيلِ الهُدَى وَالإِيْمَانِ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا المُوَسْوِسُ مِنَ الجِنِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ البَشَرِ. (?)
قال ابن كثير في تفسيره: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قَالَ: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهُ خَنَس. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ: ذُكرَ لِي أَنَّ الشَّيْطَانَ، أَوِ: الْوَسْوَاسَ يَنْفُثُ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ عِنْدَ الْحُزْنِ وَعِنْدَ الْفَرَحِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهُ خَنَسَ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الْوَسْوَاس} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْمُرُ، فَإِذَا أُطِيعَ خَنَسَ.
وَقَوْلُهُ: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} هَلْ يَخْتَصُّ هَذَا بِبَنِي آدَمَ -كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ -أَوْ يَعُمُّ بَنِي آدَمَ وَالْجِنَّ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَيَكُونُونَ قَدْ دَخَلُوا فِي لَفْظِ النَّاسِ تَغْلِيبًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدِ اسْتَعْمَلَ فِيهِمْ (رجَالٌ منَ الجنَ) فَلَا بِدَعَ فِي إِطْلَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ.