أَرَادُوا أَنْ يُسَافِرُوا، فَكَبُرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخَلِّفُوهَا ضَائِعَةً، فَجَعَلُوا يَأْتَمِرُونَ مَا يَفْعَلُونَ بِهَا؛ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ تَتْرُكُونَهَا عِنْدَهُ؟ قَالُوا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: رَاهِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنْ مَاتَتْ قَامَ عَلَيْهَا. وَإِنْ عَاشَتْ حَفِظَهَا حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَيْهِ؛ فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: إِنَّا نُرِيدُ السَّفَرَ، وَلَا نَجِدُ أَحَدًا أَوْثَقَ فِي أَنْفُسِنَا، وَلَا أَحْفَظَ لِمَا وَلِيَ مِنْكَ لِمَا جُعِلَ عِنْدَكَ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ نَجْعَلَ أُخْتَنَا عِنْدَكَ فَإِنَّهَا ضَائِعَةٌ شَدِيدَةُ الْوَجَعِ، فَإِنْ مَاتَتْ فَقُمْ عَلَيْهَا، وَإِنْ عَاشَتْ فَأَصْلِحْ إِلَيْهَا حَتَّى نَرْجِعَ، فَقَالَ: أَكْفِيكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَانْطَلَقُوا فَقَامَ عَلَيْهَا فَدَاوَاهَا حَتَّى بَرَأَتْ، وَعَادَ إِلَيْهَا حُسْنُهَا، فَاطَّلَعَ إِلَيْهَا فَوَجَدَهَا مُتَصَنِّعَةً، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ الشَّيْطَانُ يُزَيِّنُ لَهُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَتْ، ثُمَّ نَدَّمَهُ الشَّيْطَانُ فَزَيَّنَ لَهُ قَتْلَهَا؛ قَالَ: إِنْ لَمْ تَقْتُلْهَا افْتُضِحْتَ وَعُرِفَ شَبَهُكَ فِي الْوَلَدِ، فَلَمْ يَكُنْ لَكَ مَعْذِرَةٌ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَهَا، فَلَمَّا قَدِمَ إِخْوَتُهَا سَأَلُوهُ مَا فَعَلَتْ؟ قَالَ: مَاتَتْ فَدَفَنْتُهَا، قَالُوا: قَدْ أَحْسَنْتَ، ثُمَّ جَعَلُوا يَرَوْنَ فِي الْمَنَامِ، وَيُخْبَرُونَ أَنَّ الرَّاهِبَ هُوَ قَتَلَهَا، وَأَنَّهَا تَحْتَ شَجَرَةِ كَذَا وَكَذَا، فَعَمَدُوا إِلَى الشَّجَرَةِ فَوَجَدُوهَا تَحْتَهَا قَدْ قُتِلَتْ، فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَأَخَذُوهُ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ: أَنَا زَيَّنْتُ لَكَ الزِّنَا وَقَتْلَهَا بَعْدَ الزِّنَا، فَهَلْ لَكَ أَنْ أُنْجِيَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتُطِيعُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَاسْجُدْ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً، فَسَجَدَ لَهُ ثُمَّ قُتِلَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16] (?)
وقد روى هَذَا الحديث عَلَى صفة أخرى عَنْ وهب بْن منبه رَضِيَ اللَّهُ عنه أَنَّ عَابِدًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَكَانَ فِي زَمَانِهِ ثَلاثَةُ أُخْوَةٍ لَهُمْ أُخْتٌ وَكَانَتْ بِكْرًا لَيْسَ لَهُمْ أُخْتٌ غَيْرُهَا فَخَرَجَ الْبَعْثُ عَلَى ثُلاثَتِهِمْ فَلَمْ يَدْرُوا عِنْدَ مَنْ يَخْلُفُونَ أُخْتَهُمْ وَلا مَنْ يَأْمَنُونَ عَلَيْهَا وَلا عِنْدَ مَنْ يَضَعُونَهَا قَالَ فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَخْلُفُوهَا عِنْدَ عَابِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ ثِقَةً فِي أَنْفُسِهِمْ فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَخْلُفُوهَا عِنْدَهُ فَتَكُونُ فِي كَنَفِهِ وَجِوَارِهِ إِلَى أن يرجعوا مِنْ غَزَاتِهِمْ فَأَبَى ذَلِكَ وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ وَمِنْ أُخْتِهِمْ قَالَ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَطَاعَهُمْ فَقَالَ أَنْزِلُوهَا فِي بَيْتٍ حِذَاءَ صَوْمَعَتِي