وعَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ فَقَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ - صلى الله عليه وسلم - يَنْزِلُ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ، فَعَلِمَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَدَانِ لَهُ بِالْمَلائِكَةِ، وَقَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَكَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، مَا بِهِ مَخَافَةُ اللَّهِ وَلَكِنْ عَلِمَ أَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ بِهِ، وَلا مَنَعَةَ لَهُ وَتِلْكَ عَادَةُ عَدُوِّ اللَّهِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَانْقَادَ لَهُ حَتَّى إِذَا الْتَقَى الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ أَسْلَمَهُمْ شَرَّ مُسَلَّمٍ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ. (?)
ويعد الأغنياء الكفرة بالثروة والمال في الآخرة بعد الدنيا، فيقول قائلهم: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36]
فقد َقَادَهُ غُرُورُهُ إِلَى الكُفْرِ بِاللهِ، وَبِالآخِرَةِ وَبِالمِعَادِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَظُنُّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَشْرٌ، وَلاَ مَعَادٌ، وَلاَ حِسَابٌ. وَأَرْدَفَ قَائِلاً: إِنَّهُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ سَاعَةٌ وَحَشْرٍ وَمَعَادٍ إِلَى اللهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِدُ عِنْدَ اللهِ خَيْراً مِنْ هَذا البُسْتَانِ، لأَنَّهُ لَولاَ كَرَامَتُهُ عَلَى اللهِ لَمَا أَعْطَاهُ هَذا الرِّزْقَ الوَفِيرَ فِي الدُّنْيَا. (?)
ولكن خاب ظنه، فقد دمَّر الله كل ما بناه، قال تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)} [الكهف: 42 - 44]
ويشغل الإنسان بالأماني المعسولة، التي لا وجود لها في واقع الحياة، فيصده عن العمل الجاد المثمر، ويرضى بالتخيل والتمني، وهو لا يفعل شيئاً.
وَهَذِهِ هِيَ عَادَةُ الشَّيْطَانِ مَعَ الْإِنْسَانِ كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ الْآيَةَ [59\ 16]. وَقَوْلِهِ: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ