وبصيرته ويتلقى أصداءه وإيحاءاته في أطوائه وأعماقه ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود وأن وراء الكون .. ظاهره وخافيه .. حقيقة أكبر من الكون، هي التي صدر عنها، واستمد من وجودها وجوده .. حقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار، ولا تحيط بها العقول.

«لقد كان الإيمان بالغيب هو مفرق الطريق في ارتقاء الإنسان عن عالم البهيمة. ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان - كجماعة الماديين في كل زمان - يريدون أن يعودوا بالإنسان القهقرى .. إلى عالم البهيمة، الذي لا وجود فيه لغير المحسوس! ويسمون هذا «تقدمية»! وهو النكسة التي وقى اللّه المؤمنين إياها. فجعل صفتهم المميزة هي صفة: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» ... والحمد للّه على نعمائه والنكسة للمنتكسين والمرتكسين» (?).

والذين يتحدثون عن «الغيبية» و «العلمية» يتحدثون كذلك عن «الحتمية التاريخية» كأن كل المستقبل مستيقن! و «العلم» في هذا الزمان يقول: إن هناك «احتمالات» وليست هنالك «حتميات»! ولقد كان ماركس من المتنبئين «بالحتميات»! ولكن أين نبوءات ماركس اليوم؟

لقد تنبأ بحتمية قيام الشيوعية في انجلترا، نتيجة بلوغها قمة الرقي الصناعي ومن ثم قمة الرأسمالية في جانب والفقر العمالي في جانب آخر .. فإذا الشيوعية تقوم في أكثر الشعوب تخلفا صناعيا .. في روسيا والصين وما إليها .. ولا تقوم قط في البلاد الصناعية الراقية! ولقد تنبأ لينين وبعده ستالين بحتمية الحرب بين العالم الرأسمالي والعالم الشيوعي. وها هو ذا خليفتهما «خروشوف» يحمل راية «التعايش السلمي»! ولا نمضي طويلا مع هذه «الحتميات» التنبؤية! فهي لا تستحق جدية المناقشة! إن هنالك حقيقة واحدة مستيقنة هي حقيقة الغيب، وكل ما عداها احتمالات. وإن هنالك حتمية واحدة هي وقوع ما يقضي به اللّه ويجري به قدره. وقدر اللّه غيب لا يعلمه إلا هو. وإن هنالك - مع هذا وذلك - سننا للكون ثابتة، يملك الإنسان أن يتعرف إليها، ويستعين بها في خلافة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015