فالشواهد الكونية أظهر وأوضح من عروجهم إلى السماء. وهي تخاطب كل فطرة غير معطلة خطابا هامسا وجاهرا، باطنا وظاهرا، بما لا تملك هذه الفطرة معه إلا المعرفة والإقرار.
إن القول بأن هذا الكون موجود بذاته وفيه كل تلك النواميس المتوافقة لحفظه وتحريكه وتدبيره كما أن فيه كل تلك الموافقات لنشأة الحياة في بعض أجزائه .. وهي موافقات لا تحصى .. إن هذا القول بذاته يرفضه العقل البشري، كما ترفضه الفطرة من أعماقها. وكلما توغل «العلم» في المعرفة بطبيعة هذا الكون وأسراره وموافقاته رفض فكرة التلقائية في وجود هذا الكون وفي حركته بعد وجوده واضطر اضطرارا إلى رؤية اليد الخالقة المدبرة من ورائه .. هذه الرؤية التي تتم للفطرة السوية بمجرد تلقي إيقاعات هذا الكون وإيحاءاته. قبل جميع البحوث العلمية التي لم تجئ إلا أخيرا!
إن الكون لا يملك أن يخلق ذاته، ثم يخلق في الوقت نفسه قوانينه التي تصرف وجوده. كما أن نشأة الحياة لا يفسرها وجود الخالي من الحياة. وتفسير نشأة الكون ونشأة الحياة بدون وجود خالق مدبر تفسير متعسف ترفضه الفطرة كما يرفضه العقل أيضا .. كما أخذ يرفضه العلم المادي نفسه أخيرا:
يقول عالم الأحياء والنبات «رسل تشارلز إرنست» الأستاذ بجامعة فرانكفورت بألمانيا: «لقد وضعت نظريات عديدة لكي تفسر نشأة الحياة من عالم الجمادات فذهب بعض الباحثين إلى أن الحياة قد نشأت من البروتوجين، أو من الفيروس، أو من تجمع بعض الجزئيات البروتينية الكبيرة. وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة التي تفصل بين عالم الأحياء وعالم الجمادات. ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به هو أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية، قد باءت بفشل وخذلان ذريعين. ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع على أن مجرد تجمع الذرات والجزئيات عن طريق المصادفة، يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية. وللشخص مطلق الحرية في أن يقبل هذا التفسير لنشأة الحياة، فهذا شأنه وحده!