بالآخرة، ويرضوه، ويقترفوا ما يقترفونه من العداوة للرسل وللحق ومن الضلال والفساد في الأرض ..
كل ذلك إنما جرى بقدر اللّه وفق مشيئته. ولو شاء ربك ما فعلوه. ولمضت مشيئته بغير هذا كله ولجرى قدره بغير هذا الذي كان. فليس شيء من هذا كله بالمصادفة. وليس شيء من هذا كله بسلطان من البشر كذلك أو قدرة! فإذا تقرر أن هذا الذي يجري في الأرض من المعركة الناشبة التي لا تهدأ بين الرسل والحق الذي معهم، وبين شياطين الإنس والجن وباطلهم وزخرفهم وغرورهم .. إذا تقرر أن هذا الذي يجري في الأرض إنما يجري بمشيئة اللّه ويتحقق بقدر اللّه، فإن المسلم ينبغي أن يتجه إذن إلى تدبر حمكة اللّه من وراء ما يجري في الأرض بعد أن يدرك طبيعة هذا الذي يجري والقدرة التي وراءه ..
بإرادتنا وتقديرنا، جعلنا لكل نبي عدوا .. هذا العدو هو شياطين الإنس والجن .. والشيطنة وهي التمرد والغواية والتمحض للشر صفة تلحق الإنس كما تلحق الجن. وكما أن الذي يتمرد من الجن ويتمحض للشر والغواية يسمى شيطانا فكذلك الذي يتمرد من الإنس ويتمحض للشر والغواية .. وقد يوصف بهذه الصفة الحيوان أيضا إذا شرس وتمرد واستشرى أذاه!
هؤلاء الشياطين - من الإنس والجن - الذين قدر اللّه أن يكونوا عدوا لكل نبي، يخدع بعضهم بعضا بالقول المزخرف، الذي يوحيه بعضهم إلى بعض - ومن معاني الوحي التأثير الداخلي الذي ينتقل به الأثر من كائن إلى كائن آخر - ويغر بعضهم بعضا، ويحرض بعضهم بعضا على التمرد والغواية والشر والمعصية ..
وشياطين الإنس أمرهم معروف ومشهود لنا في هذه الأرض، ونماذجهم ونماذج عدائهم لكل نبي، وللحق الذي معه، وللمؤمنين به، معروفة يملك أن يراها الناس في كل زمان.
فأما شياطين الجن - والجن كله - فهم غيب من غيب اللّه، لا نعرف عنه إلا ما يخبرنا به من عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو .. ومن ناحية مبدأ وجود خلائق أخرى في هذا الكون غير الإنسان وغير الأنواع والأجناس المعروفة في الأرض من الأحياء .. نقول