ومن ذلك أن الناس يحتاجون إلى الصناعات، كالفلاحة، والبناية، والنساجة، إذ لا تتم أمورهم إلا بأقوات ومساكن ولباس ونحو ذلك، فإذا لم يجب لهم من المصالح ما لا بد لهم منه أضر بهم ذلك.
فإن المسلمين لم يكن لهم بالمدينة إلا ما يجلب من الثياب، فكانوا يجلبون من اليمن ومن الشام ومصر، وأهل تلك الأمصار كفار، فكانوا يلبسون ما جاءهم من ذلك ولا يغسلونه، ويأكلون ما جاءهم من طعام ودهن ونحوه، ولا يتحرجون في شيء من ذلك، فحاجة الناس إلى خبز يخبز، وطعام يصنع، أكثر من حاجتهم إلى ثياب تلبس، وحاجتهم إلى بيوت يسكنونها، أعظم من القسمين الأولين.
فلذلك ذهب جماعة من الأئمة كمالك، والأوزاعي، وسفيان، والليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه، وبه قال أبو حامد الغزالي (?) وأبو الفرج بن الجوزي (?)،