بالسحر من التفريق بين المرء وزوجه، ونحو ذلك من الجبت، وكان عالمًا بأحوال الشيطان والأصنام وما يحصل بها من الفتنة، لم يكن مؤمنًا بها مع العلم بأحوالها، ومعلوم أنه لم يعتقد أحد فيها أنها تخلق الأعيان، وأنها تفعل ما تشاء، ونحو ذلك من خصائص الربوبية، ولكن كانوا يعتقدون أنه يحصل بعبادتها لهم نوع من المطالب، كما كانت الشياطين تخاطبهم من الأصنام، وتخبرهم بأمور، وكما يوجد مثل ذلك في هذه الأزمان في الأصنام التي يعبدها أهل الهند والصين والترك وغيرهم، وكان كفرهم بها الخضوع لها والدعاء والعبادة واتخاذها وسيلة ونحو ذلك، لا مجرد التصديق بما يكون عند ذلك من الآثار، فإن هذا يعلمه العالم من المؤمنين ويصدق بوجوده، لكنه يعلم ما يترتب على ذلك من الضرر في الدنيا والآخرة فيبغضه، والكافر قد يعلم وجود ذلك الضرر لكنه يحمله حب العاجلة على الكفر.
يبين ذلك قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)} [النحل: 106 - 109]، فقد ذكر تعالى من كفر بالله من بعد إيمانه وذكر وعيده في الآخرة ثم قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ}، وبين تعالى أن الوعيد استحقوه بهذا.
ومعلوم أن باب التصديق والتكذيب والعلم والجهل ليس هو من باب