فصل
إذا عرف أن أصل الإيمان في القلب، فاسم الإيمان تارة يطلق على ما في القلب من الأقوال القلبية، والأعمال القلبية، من الصديق والمحبة والتعظيم ونحو ذلك، وتكون الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة لوازمه وموجباته ودلائله، وتارة على ما في القلب والبدن، جعلا لموجب الإيمان ومقتضاه داخلًا في مسماه.
وبهذا يتبين أن الأعمال الظاهرة تسمى إسلامًا، فإنها (?) تدخل في مسمى الإيمان تارة، ولا تدخل فيه تارة.
وذلك أن الاسم الواحد تختلف دلالته بالأفراد والاقتران، فقد يكون عند الأفراد فيه عموم لمعنيين، وعند الاقتران لا يدل إلَّا على أحدهما، كلفظ الفقير والمسكين، إذا أفرد أحدهما تناول الآخر، وإذا جمع بينهما كان لكل واحد مسمى يخصه، وكذلك لفظ المعروف والمنكر إذا أطلقا كما في قوله تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: 157]، دخل فيه الفحشاء والبغي، وإذا قرن بالمنكر أحدهما كما في قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] أو كلاهما كما في قوله تعالى: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90]، كان اسم المنكر مختصًا بما خرج عن (?) ذلك على قول، أو متناولًا للجميع على قول بناء على أن الخاص المعطوف على العام هل يمنع شمول العام له، أو يكون قد ذكر مرتين؟ فيه نزاع! والأقوال والأعمال الظاهرة موجب (?) [الأعمال] (?) الباطنة ولازمها، وإذا أفرد اسم الإيمان فقد يتناول هذا وهذا، كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلَّا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" (?).