وكذلك فرعون وقومه جحدوا بها، واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا، وقال له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الإسراء: 102]، فالذي يقال هنا أحد أمرين:
إما أن يقال: الاستكبار والإباء والحسد ونحو ذلك، مما كفر (?) به مستلزم لعدم العلم والتصديق الَّذي هو الإيمان، وإلا فمن كان علمه وتصديقه تامًا، أوجب استسلامه وطاعته مع القدرة، كما أن الإرادة الجازمة تستلزم وجود المراد مع القدرة، فعلم أن المراد إذا لم يوجد مع القدرة، دل على أن (?) ما في القلب همة ولا إرادة، فكذلك إذا لم يوجد موجب التصديق والعلم، من حب القلب وانقياده، دل على أن الحاصل في القلب ليس بتصديق ولا علم، بل هناك (?) شبهة وريب، كما يقول ذلك طوائف من الناس، وهو أصل قول جهم والصالحي والأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه كالقاضي أبي بكر ومن اتبعه، ممن يجعل الأعمال الباطنة والظاهرة [من] (?) موجبات الإيمان، لا من نفسه، ويجعل ما ينتفي الإيمان بانتفائه من لوازم التصديق، لا يتصور عنده تصديق باطن مع كفر قط.
أو أن يقال (?): قد يحصل في القلب علم بالحق وتصديق به، ولكن مما (?) في القلب من الحسد والكبر ونحو ذلك، مانع من استسلام القلب وانقياده ومحبته، وليس هذا كالإرادة مع العمل، لأن الإرادة مع القدرة مستلزمة للمراد، وليس العلم بالحق والتصديق به مع القدرة على العمل بموجب ذلك العمل، بل لا بد مع ذلك من إرادة الحق والحب له.
فإذا قال القائل: القدرة التامة [بدون] (?) الإرادة الجازمة مستلزمة