بنوره فأفاض كل منهم في الثناء عليه وشبهه بأفضل ما في خزانة صوره، فشبهه السلاحي بالترس المذهب يرفع عند الملك، والصائغ بالسبيكة من الإبريز تفتر عن وجهها البتوقة، والبقار بالجبن الأبيض يخرج من فالبه طريا والمعلم برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة، وكما يحكى1 عن وراق يصف حاله: عيشي أضيق من محبرة وجسمي أدق من مسطرة وجاهي أرق من الزجاج، وحظي أخفى من شق القلم وبدني أضعف من قصبة وطعامي أمر من العفص وشرابي أشد سوادًا من الحبر وسوء الحال لي ألزم من الصمغ.
ولصاحب1 علم المعاني فضل احتياج إلى التنبيه لأنواع الجامع لا سيما الخيالي فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد لأسباب في ذلك3 كالجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَت، وَإِلَى الجِبَال كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} ، بالنسبة إلى أهل الوبر فإن جل انتفاعهم في معاشهم من الإبل فتكون عنايتهم مصروفة إليها، وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب وذلك بنزول المطر فيكثر تقلب وجوههم في السماء ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم وحصن يتحصنون به ولا شيء لهم في ذلك كالجبال ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها فإذا فتش البدوي في خياله وجد صور هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور بخلاف الحضري فإذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرنا ظن النسق لجهله معيبًا.