عند الطالب حتى إذا وجد حكم الحس بخلاف حكمه غلطه تارة واستخرج له محملًا أخرى وعليه قول أبي العلاء المعري:
ما سرت إلا وطيف منك يصحبني ... سري أمامي وتأوييا على أثرى1
يقول: لكثرة ما ناجيت نفسي بك انتقشت في خيالي فأعدك بين يدي مغلطًا للبصر بعلة الظلام إذا لم يدركك ليلًا أمامي، وأعدك خلفي إذا لم يتيسر لي تغليطه حين لا يدركك بين يدي نهارًا. وإما لنحو ذلك، قال السكاكي: أو للتعريض: كما في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ، وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إنَّكَ إذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} ، [البقرة: 145] ، وقوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَات} ، ونظيره في التعريض2 قوله: {وَمَا لِيَ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22] ، المراد وما لكم لا تعبدون الذي فطركم، والمنبه عليه ترجعون، وقوله تعالى: {أأتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُون، إنِّي إذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يس: 23-24] ، إذ المراد أتتخذون من دونه آلهة إن يردكم الرحمن بضر لا تغن عنكم شفاعتهم شيئًا ولا ينقذونكم إنكم إذا لفي ضلال مبين، ولذلك قيل: {آمَنْتُ بِرَبِّكُم} دون بربي، واتبعه: {فَاسْمَعُوْنِ} . ووجه حسنه3 تطلب أسماع المخاطبين الذين هم أعداء المسمع الحق.