البلاغة، وفيه نظر1، وأتى في جاذب السيئة بلفظ أن؛ لأن السيئة نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة ولذلك نكرت. ومنه قوله تعالى: {وإذَا أذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وإن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] ، أتى باذا في جانب الرحمة.. وأما تنكيرها فجعله السكاكي للنوعية نظرًا إلى لفظ الإذاقة، وجعله للتقليل نظرًا إلى لفظ الإذاقة كما قال أقرب. وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُر} بلفظ إذا مع الضر، فللنظر إلى لفظ المس وإلى تنكير الضر المفيد في المقام التوبيخي القصد إلى اليسير من الضر وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضر، وللتنبيه على أن مساس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به. وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيض} ، بعد قوله عز وجل: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِه} ، أي أعرض عن شكر الله وذهب بنفسه وتكبر وتعظم، فالذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير في مسه للمعرض المتكبر، ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثله يحق أن يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعًا به.

قال الزمخشري: وللجهل بموقع إن وإذا يزيغ كثير من الخاصة عن الصواب فيغلطون ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان كيف أخطا بهما الموقع في قوله يخاطب بعض الولاة وقد سأله حاجة فلم يقضها ثم شفع له فيها فقضاها:

ذممت ولم تجمد وأدركت حاجتي ... تولى سواكم أجرها واصطناعها

أبى لك كسب الحمد رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015