واعلم أن الالتفات من محاسن الكلام، ووجه حسنه على ما ذكر الزمخشري هو أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية1 لنشاط السامع، وأكثر إيقاظًا للإصغاء إليه2 من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختص مواقعه بلطائف: كما في سورة الفاتحة، فإن العبد إذا افتتح حمد مولاه الحقيقي بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكرة لما هو فيه، بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الدال على اختصاصه بالحمد وإنه حقيق به، وجد من نفسه لا محالة محركًا للإقبال عليه، فإذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله: {رَبِّ الْعَالَمِيْنَ} الدال على أنه مالك للعالمين لا يخرج منهم شيء عن ملكوته وربوبيته، قوى ذلك المحرك، ثم إذا انتقل إلى قوله: {الْرَحْمَنِ الْرَحِيْمِ} الدال على أنه منعم بأنواع النعم جلائلها ودقائقها، تضاعفت قوة المحرك، ثم إذا انتقل إلى خاتمة هذه الصفات العظام وهي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الْدِّيْنَ} الدال على أنه مالك للأمر كل يوم الجزاء تناهت قوته وأوجب الإقبال عليه وخطابه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات3، وكما في قوله تعالى: {وَلَوْ أنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ