فإن ذلك لا يعني للمرء أنه لن يصاب بالمرض إذا قدر مُقدِر المقادير ومُسببُ الأسباب أن يصاب هذا المرء بالمرض، ومن واجب المسلم التوكل على الله سبحانه وتعالى في جميع أمور حياته اليومية، لكنه مأمور بالأخذ بالأسباب والتحصن ضد مسببات الأمراض (?).

وقد علق النبي -صلى الله عليه وسلم- البرأ من المرض على إذنه ومشيئته سبحانه وتعالى، فعن جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى» (?)، "ففيه الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر. وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: «إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا» الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد، وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر -رضي الله عنه-: " بإذن الله"، فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته. والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك" (?).

ولما خرج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى الشام ووجد الوباء قد وقع بها، رجع بعد اختلاف الصحابة في ذلك (?)، فقيل له تفر من قدر الله، فقال -رضي الله عنه-: «أفر من قدر إلى قدر». ثم أخبره عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه»، قال: فحمد الله عمر بن الخطاب ثم انصرف (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015