وهذا الاضطراب والتناقض سِمَةٌ عامة في أغلب أهل البدع المتقابلة أفراداً وفرقاً، فالفرقة الواحدة لا تستقر على رأي أو عقيدة أو موقف وإن جمعتها أحياناً بعض الأصول العامة، مثل الخوارج والرافضة وسائر الفرق (?)؛ لأن كل أصولهم التي خرجوا بها عن السنة مُحدثة مبتدعة ليس لهم فيها سند شرعي، ولا قدوة من الأئمة الصالحين لذلك نجدهم عرضة للتقلب والتغير وعدم الثبات.
ومن أكثر الفرق تقلباً أهل الكلام (?)، قال الإمام أحمد - رحمه الله -: " هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه" (?).
قال ابن القيم - رحمه الله -: " وكل من له مسكة عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما ينشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد ... وأكثر أصحاب الجحيم هم أهل هذه الآراء الذين لا سمع لهم ولا عقل، بل هم شر من الحمير، وهم الذين يقولون يوم القيامة: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} الملك: 10" (?).
الله تعالى حكيم في حكمه وأحكامه حيث وضع الموازين التي توزن بها الأعمال بدقة متناهية فهي صنع الله كما قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} النمل: 88، وكل بدعة هي خروج عن الدين إما إلى إفراط وإما إلى تفريط؛ فما من بدعة ظهرت في الإسلام، إلا وظهرت بدعة أخرى تناقضها، وهذا الأمر إذا تأمله العارف عرف أن الحق لا يُعرف بالمقابلة، ولا يكون طرفاً مناقضاً من كل وجه.