يظنون أن هذه البدع قد قام العمل عليها بين المسلمين في القديم والحديث، وفي جميع الأمصار والأقطار، وهذا الأثر تلمسه بوضوح في تشنيعهم على المخالفين لهم في ذلك، والمنكرين عليهم، فتجدهم يصمونهم بأنهم خالفوا ما عليه المسلمون؛ لأنهم ينقلون ويحكون الاتفاق أو الإجماع أو القول بأنه مشهور عن الصحابة أو التابعين أو أهل الحديث أو الأئمة وفي الحقيقة أن الأمر ليس كذلك، مما كان سبباً في التلبيس وعموم الفتنة، وذلك إما لجهلهم، أو تساهلهم، أو توهمهم، أو الكذب من بعضهم. ومما يزيد الأمر خطورةً والأثر عمقاً أن يتُوصل إلى تقرير بعض هذه البدع بالأدلة الشرعية، مما يؤدي -بحد ذاته- إلى تلبيس الحق بالباطل والهدى بالضلال.
ومن الأمثلة على هذه البدع دعوى الإجماع في بدعة شد الرحال لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبدعة التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من ذوات الأنبياء والصالحين، في حياتهم وبعد مماتهم، وبدعة الإرجاء، وبدعة إنكار الصفات الاختيارية لله تعالى، وغير ذلك (?).
ومن أساليبهم ما ذكره عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - بقوله: " إذا رأيت قوماً يتناجون بأمر في أمر دينهم دون عامتهم، فهم على تأسيس الضلالة" (?)؛ والتاريخ شاهد بذلك، فإن البدع إنما ابتدأت همساً وأحياناً بقصد الغيرة على الدين، والنصح للإسلام، ثم يؤول الأمر إلى العزلة عن الجماعة وتنافر القلوب وغرس الغل على المخالفين.
فكل صاحب بدعة من البدع المتقابلة قد يجد من شاذ الآراء، أو مشتبهها ما يُفتن به ويُلبس على الناس فيه (?)؛ ومن هنا تنشأ البدع المتقابلة ويعظم ضررها -والله المستعان-.