ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع وحذرت منها؛ لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافاً - لا له ولا عليه- لكان الأمر خفيفاً، بل لا بد أن توجب له فساداً في قلبه ودينه ينشأ من نقص منفعة الشريعة في حقه؛ إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض عنه (?).
وإذا كان التفرق نفسه متضمنا لإضاعة السنن وإفشاء البدع، فلا شك في أن البدع المتقابلة تفرق الدين وتكون من أعظم ما يكون به فساد ذات البين، فهي إذاً من أعظم أسباب وهاء الدين وذهابه، ولا يقف أثرها عند هذا الحد (?)، بل يتعداه إلى آثار أخرى أكثر ضرراً.
ومن آثارها: مفارقة أهلها للجماعة، وشق عصا الطاعة؛ لأنهم اعتمدوا على أهوائهم وفرحوا بما عندهم، ومن اتبع هواه خرج عن جادة الصواب.
وقد حذر الله من ذلك بقوله عز وجل: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام: 153، وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم: 31 - 32، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)). وفي رواية: ((كلها في النار، إلا واحدة: وهي الجماعة)) (?). فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر عن وقوع الفرقة في أمته، وسبب هذا الافتراق هو مخالفة أهل الأهواء الضالة - كالقدرية، والخوارج، والروافض وما شابههم- ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة في أبواب أنواع التوحيد، والوعد والوعيد، والقدر والخير والشر، والإدارة والمشيئة، والرؤية والإدراك، وصفات الله -عز وجل- وأسمائه .. وغير ذلك، فسبب مفارقتهم لجماعة المسلمين هو إحداثهم للبدع المتقابلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.