الآية الأولى:
قول الله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} الأنبياء: 23، فيها رد على طائفتين متقابلتين من طوائف المبتدعة! ، وبيان ذلك فيما يلي:
دل قوله جل وعلا: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}، على إثبات الفعل لله - عز وجل -، فكانت هذه الآية رادةً على كلِ من نفى أفعال الله (?) -من القدرية- بأنه سبحانه {يَفْعَلُ}.
كما أن هذه الآية أيضاً قد تضمنت الرد على بدعة الإفراط، فردت على نفاة أفعال العباد -من الجبرية- بأنهم {يُسْأَلُونَ}؛ ونسبة السؤال إليهم فيه دلالة على أنهم قادرون ومحاسبون على أعمالهم.
الأمر الأول: إسناد الفعل إلى العبد، وأنه القائم به حقيقة؛ ولأجل هذا وقعت المحاسبة والجزاء عليه، كما في قاله تعالى: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}، وقوله - سبحانه وتعالى -: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} الأنعام: 164، أي: " أن النفوس إنما تجازى بأعمالها؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر" (?)، وكما قال تعالى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)} طه: 15، والآيات في هذا كثيرة.
الأمر الثاني: أن للعبد قدرة أودعها الله فيه، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} التغابن: 16، وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} فصلت: 15، فهو قادرٌ بجعل الله له قادراً، وهو - سبحانه وتعالى - خالقه وخالق قدرته (?)، لذا فإنه - سبحانه وتعالى - لا يسأله ولا يحاسبه إلا لما له فيه قدرة ومشيئة، قال تعالى: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}، أي: عما فعلوا باختيارهم (?).