المقدر ويكون شراً بالنسبة إلى محل وخيراً بالنسبة إلى محل آخر، وقد يكون خيراً بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه، كما هو شر له من وجه، بل هذا هو الغالب وهذا كالقصاص وإقامة الحدود وقتل الكفار، فإنه شر بالنسبة إليهم لا من كل وجه بل من وجه دون وجه، وخير بالنسبة إلى غيرهم لما فيه من مصلحة الزجر والنكال ودفع الناس بعضهم ببعض، وكذلك الآلام والأمراض إن كانت شروراً من وجه فهي خيرات من وجوه عديدة ... فالخير والشر من جنس اللذة والألم والنفع والضرر وذلك في المقضي المقدر لا في نفس صفة الرب وفعله القائم به، فإن قطع يد السارق شر مؤلم ضار له، وأما قضاء الرب ذلك وتقديره عليه فعدل وخير وحكمة ومصلحة" (?).
لذا فإن الإيمان بالقدر على الوجه الصحيح توحيد وخلاص من الشرك؛ لأن ارتباطه مباشرة بالإيمان بالله تعالى، فقد جاء في صفاته سبحانه صفة العلم، والإرادة، والقدرة، والخلق، وعلى هذه الأسس قامت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر (?).
كما عد العلماء الإيمان بالقضاء والقدر ثمرة من ثمرات الإيمان بالله، فالراضي بالقضاء والقدر راضٍ بالله، والساخط من القدر ساخط على الله، وهذه النكتة في عطف الفعل "تؤمن" لما عد النبي - صلى الله عليه وسلم - أركان الإيمان فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) في حديث جبريل المشهور (?).
كما أن الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح، وهو الاختيار القوي لمدى معرفة الإنسان بربه تعالى، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال؛ وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها (?).