أختم هذا الفصل بذكرٍ إجمالي للآيات الرادة على الانحراف العقدي في الإيمان بالملائكة؛ والآيات التالية سيقت على سبيل المثال لا الحصر:
1 - قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} الزخرف: 19، تردُ هذه الآية على بدعتين متقابلتين، وبيان ذلك فيما يلي:
ردت هذه الآية على من غلا في الملائكة فرفعها عن القدر الواجب، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} الزخرف: 19، ليبن - عز وجل - أنهم عباده، وأنه ولا يجوز صرف شيء لهم من خصائصه سبحانه، وإذا بطلت عبادة الملائكة فالجن وغيرهم من الناس من باب أولى، وإذا بطلت عبادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالأولياء من باب أولى ألا يُعبَدوا من دون الله (?).
كما أن المشركين - قبحهم الله-جعلوا الملائكة الذين هم عبادُ الرحمن إناثاً، ثم ادعوا أنهم بناتُ الله، ثم عبدوهم، فاقترفوا الجريمة العظمى في المقامات الثلاثة (?).
وقد أبطل القرآن العظيم هذه الفرية من أربعة أوجه:
أ-نفى علمهم بحقيقة الملائكة، فليس لديهم دليل حسي بهذا الشأن، ولذا قال تعالى: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} الزخرف: 19، وقال سبحانه: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)} الصافات: 150، أي: وهم حاضرون، وسؤاله لهم على وجه الإنكار والتوبيخ والتقريع.
ب- تهديدهم، وتوعدهم بأن شهادتهم بذلك الكفر، ستكتب عليهم، وسوف يسالون عنها، قال تعالى: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} الزخرف: 19.
ت- بيان أنهم فعلوا ذلك بدون علم؛ فلم ينزل الله عليهم كتاباً يقرُّ ذلك، فهم بما فيه مستمسكون، وإنما مجرد التقليد، واتباع الأولين؛ ولذلك قال: {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)} الصافات: 157.