6680 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ بَعْدَ مَشُورَةٍ» -[309]- وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى إِبَاحَةِ سَبْيِ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، قَبْلَ قَتْلِ الرِّجَالِ إِذَا خَرَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَوْنًا لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ: " أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، لَمَّا كَانَ سَبْيُ ذَرَارِيِّ الْقَوْمِ وَتَرْكُ ذَلِكَ مُبَاحًا. وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ قِتَالِ الْمُحْرِمِ مَنْ صَدَّهُ عَنِ الْبَيْتِ، وَعَنْ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، مَوْجُودٌ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. وَقَوْلُهُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» ، تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَأَضْمَرَ ذَلِكَ وَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ فَاعِلٌ فِعْلًا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إِلَّا عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، قَالَ اللهُ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الكهف: 24] الْآيَةُ، أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ اللهَ لَمَّا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مُعْطِيهِمْ كُلَّ خُطَّةٍ دَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللهِ، تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، لَمَّا أَعْلَمُهُ اللهُ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَعَ أَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَمَا صَالَحَهُمْ وَتَرْكَهُ قِتَالَهُمْ فِي الْحَرَمِ مِنْ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ أَهْلِهِ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتْحَ اللهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ: «إِنَّ اللهَ حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ» . -[310]- وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ لَا تَبْدَؤا فِيهَا بِقِتَالٍ، لَا أَنَّ مُحَارَبَةَ مَنْ حَارَبَهُمْ لَا يَجُوزُ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ , فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] الْآيَةُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ: " أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، فَيَكُونُوا مُقَاتِلِينَ إِذَا بُدِئُوا بِالْقِتَالِ، لَا مُبْتَدِئِينَ قِتَالًا فِي الْحَرَمِ. وَمِنْ ذَلِكَ انْتِزَاعُهُ السَّهْمَ مِنْ كِنَانَتِهِ، لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ الْعَطَشَ، وَأَمْرُهُ إِيَّاهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي الْمَاءِ، وَذَلِكَ أَحَدُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللهُ لِيَتَحَقَّقَ عِنْدَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ أَمَرُهُ، وَإِنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلِيَزْدَادُوا مِنْ أَمْرِهِ وَصِدْقِهِ بِذَلِكَ بَصِيرَةً. وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبَاحَةُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، عَلَى غَيْرِ مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانَ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَإِنَّمَا فَرَضَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَطَاقَ قِتَالَهُمْ، دُونَ مَنْ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ مِمَّنْ يَعْجَزُ عَنْ قِتَالِهِمْ، إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَرْجُو أَنْ يَقْوَى إِلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، إِذَا مِنْ يُخَلِّفُ عَنِ الْقِتَالِ لِلْعُذْرِ غَيْرُ آثَمٍ، وَلَا حَرَجَ، وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ نَاسًا عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَخَذَهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ أَحْوَطَ لِلْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةُ عَدُوِّهِمْ إِلَى مُدَّةٍ يَقْوَوْنَ بِانْقِضَائِهَا عَلَيْهِمْ، فَهَادَنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ، يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيُقَالُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]