ذِكْرُ الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ أَوْ يَزْنِي أَوْ يُصِيبُ حَدًّا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ، أَوْ يَقْذِفُ، أَوْ يَزْنِي، أَوْ يُصِيبُ بَعْضَ الْحُدُودِ، فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: ذَلِكَ وَجْهَانِ مَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ لَا حَقَّ لِلْآدَمَيِّينَ فِيهِ، يَكُونُ لَهُمْ عَفْوُهَا، وَإِكْذَابُ شُهُودٍ لَوْ شَهِدُوا لَهُمْ بِهِ، فَهُوَ مُعَطَّلٌ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِ، إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَمْ تُؤَمَّنُوا عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَفَفْتُمْ وَإِلَّا رَدَدْنَا عَنْكُمُ الْأَمَانَ وَأَلْحَقْنَاكُمْ بِمَأْمَنِكُمْ، فَإِنْ فَعَلُوا أَلْحَقُوهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ وَنَقَضُوا الْأَمَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِّ الْآدَمِيِّينَ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا قَتَلْنَاهُمْ، فَإِذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَنْ يُقِيدَ مِنْهُمْ حَدُّ الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ لِلْآدَمَيِّينَ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا دُونَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلَ الْقِصَاصِ فِي الشَّجَّةِ وَأَرْشِهَا، وَمَثَلَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ. وَالْقَوْلُ فِي السَّرِقَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَطَّعُوا وَيُغَرَّمُوا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُغَرَّمَ الْمَالَ، وَلَا يُقَطَّعُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْآدَمَيِّينَ وَالْحَدَّ لِلَّهِ ". وَاحْتُجَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُدُودِ اللهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِآيَةِ الْمُحَارِبِ. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا زَنَى بَعْضُهُمْ، أَوْ سَرَقَ، أَوْ قَذَفَ مُسْتَعْلِنِينَ بِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِينَا، أَوْ فِي أَهْلِ ذِمَّتِنَا، أُخِذُوا بِالْحُدُودِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤَمَّنُوا عَلَى إِتْيَانِهَا فِينَا، وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ،