وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ صُوفِ الْمَيْتَةِ فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُرَخَّصُ إِلَّا فِي إِهَابِهَا إِذَا دُبِغَ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي إِهَابِ الْمَيْتَةِ: إِذَا دُبِغَ وَلُدِكَ عَلَيْهِ شَعْرُهُ، فَمَاسَّ الْمَاءَ شَعْرُهُ نَجِسَ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي بَاطِنِهِ، وَكَانَ شَعْرُهُ طَاهِرًا لَمْ يَنْجَسِ الْمَاءُ إِذَا لَمْ يَمَاسَّ شَعْرَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَوِ الْبَعِيرَ أَوِ الْبَقَرَةَ إِذَا قُطِعَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ عُضْوٌ وَهُوَ حَيٌّ، أَنَّ الْمَقْطُوعَ مِنْهُ نَجِسٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِأَشْعَارِهَا، وَأَوْبَارِهَا، وَأَصْوَافِهَا جَائِزٌ، إِذَا أُخِذَ مِنْهَا ذَلِكَ، وَهِيَ أَحْيَاءٌ، فَفِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ وَالشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ بَيَانٌ عَلَى افْتِرَاقِ أَحْوَالِهَا، وَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الذَّكَاةِ هُوَ الَّذِي إِذَا فَاتَ أَنْ يُذَكَّى حَرَامٌ، وَأَنَّ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى الذَّكَاةِ وَلَا حَيَاةَ فِيهِ طَاهِرٌ أُخِذَ مِنْهَا ذَلِكَ وَهِيَ أَحْيَاءٌ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا، إِذْ لَا حَيَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِيهَا حَيَاةٌ كَانَتْ كَالْأَعْضَاءِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى الذَّكَاةِ، فَلَا بَأْسَ بِشَعْرِ الْمَيْتَةِ وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، فَأَمَّا عَطَاءٌ، فَإِنَّمَا كَرِهَهُ، وَقَدْ يُكْرَهُ الشَّيْءُ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى التَّحْرِيمِ لَمْ يُحَرِّمْهُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ حَرَّمَهُ، وَلَوْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ لَكَانَ خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيِّتٌ